responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العزلة المؤلف : الخطابي    الجزء : 1  صفحة : 56
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يُنْشِدُ:
[البحر البسيط]
§لَيْتَ الْكِلَابَ لَنَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً ... وَأَنَّنَا لَا نَرَى مِمَّنْ نَرَى أَحَدَا
إِنَّ الْكِلَابَ لَتَهْدَا فِي مَوَاطِنِهَا ... وَالنَّاسُ لَيْسَ بِهَادٍ شَرُّهُمْ أَبَدَا
فَاحْفَلْ لِنَفْسِكَ فِي تَفْرِيدِهَا أَبَدًا ... تَعِشْ حَمِيدًا إِذَا مَا كُنْتَ مُنْفَرِدَا"
وَفِي نَحْوِ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَهُوَ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ:
[البحر البسيط]
شَرُّ السِّبَاعِ الضَّوَارِي دُونَهُ وِزْرٌ ... وَالنَّاسُ شَرُّهُمْ مَا دُونَهُ وِزْرُ
كَمْ مَعْشَرٍ سَلِمُوا لَمْ يُؤْذِهِمْ سَبْعٌ ... وَمَا نَرَى بَشَرًا لَمْ يُؤْذِهِ بَشَرُ
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ قَبِيصَةَ، قَالَ: قَالَ الْفُضَيْلُ: إِذَا رَأَيْتَ السَّبُعَ فَلَا يَعْلِنْكَ وَإِذَا رَأَيْتَ ابْنَ آدَمَ فَحَذِّرْ ثَوْبَكَ ثُمَّ فِرَّ، ثُمَّ وَرُوِّينَا عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَشْبَهَ هَذَا الزَّمَانَ إِلَّا بِمَا قَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا:
[البحر الطويل]
عَوَى الذِّئْبُ فَاسْتَأْنَسْتُ بِالذِّئْبِ إِذْ عَوَى ... وَصَوَّتَ إِنْسَانٌ فَكِدْتُ أَطِيرُ
وَفِي نَحْوٍ مِنْهُ قَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ أَيُّوبَ الْعَنْبَرِيُّ وَقَدْ كَانَ جَنَى جِنَايَةً عَظِيمَةً فَطَلَبَهُ السُّلْطَانُ فَأَمْعَنَ فِي الْهَرَبِ حَتَّى وَقَعَ فِي مَجَاهِلِ الْأَرْضِ:
[البحر الطويل]
لَقَدْ خِفْتُ حَتَّى لَوْ تَمُرُّ حَمَامَةٌ ... لَقُلْتُ عَدُوٌّ أَوْ طَلِيعَةُ مَعْشَرٍ
فَإِنْ قِيلَ خَيْرٌ قُلْتُ هَذَا خَدِيعَةٌ ... وَإِنْ قِيلَ شَرٌّ قُلْتُ حَقٌّ فَشَمِّرِ
-[57]-
أَنْشَدَنِي بَرَابُرِيٌّ لِمَنْصُورِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ:
[البحر المجتث]
النَّاسُ بَحْرٌ عَمِيقٌ ... وَالْبُعْدُ عَنْهُمْ سَفِينَهْ
وَقَدْ نَصَحْتُكَ فَانْظُرْ ... لِنَفْسِكَ الْمِسْكِينَهْ
وَأَنْشَدُونَا لَهُ:
[البحر الرمل]
كُلِّ مَنْ أَصْبَحَ فِي دَهْـ ... ـرِكْ مِمَّنْ قَدْ تَرَاهْ
هُوَ مِنْ خَلْفِكَ مِقْرَا ... ضٌ وَفِي الْوَجْهِ مِرْآةْ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَسَأُفِيدُكَ فَائِدَةً يَا أَخِي يَجِلُّ نَفْعُهَا وَتَعْظُمُ عَائِدَتُهَا وَمَا أَقُولُهَا إِلَّا عَنْ وُدٍّ لَكَ وَشَفَقَةٍ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْبَلْوَى فِي مُعَاشَرَةِ أَهْلِ زَمَانِكَ عَظِيمَةٌ فَاسْتَعِنْ بِهَا عَلَى مَا يَلْقَاكَ مِنْ أَذَاهُمْ فَإِنَّكَ لَا تَخْلُوَ مِنْ قَلِيلِةِ وَإِنْ سَلِمْتَ مِنْ كَثِيرِةِ وَذَلِكَ أَنَّكَ قَدْ تَرَى الْوَاحِدَ بَعْدَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ يَتَكَالَبُ عَلَى النَّاسِ وَيَتَسَفَّهُ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ وَيَنْبَحُ فِيهَا نُبَاحَ الْكَلْبِ فَيَهُمُّكَ مِنْ شَأْنِهِ مَا يَهُمُّكَ وَيَسُوءُكَ مِنْهُ مَا يَسُوءُكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَاضِلًا يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ فَيَطُولُ فِي أَمْرِهِ فِكْرُكَ وَيَدُومُ بِهِ شُغْلُ قَلْبِكَ فَأَزِحْ هَذَا الْعَارِضَ عَنْ نَفْسِكَ بِأَنْ تَعُدَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَلْبًا خِلْقَةً وَزِدْ بِهِ فِي عَدَدِ الْكِلَابِ وَاحِدًا وَلَعَلَّكَ قَدْ مَرَرْتَ مَرَّةً مِنَ الْمِرَارِ بِكَلْبٍ مِنَ الْكِلَابِ يَنْبَحُ وَيَعْوِي وَرُبَّمَا كَانَ أَيْضًا قَدْ يُسَاوِرُ وَيَعَضُّ فَلَمْ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ فِي أَمْرِهِ بِأَنْ يَعُودَ إِنْسَانًا يَنْطِقُ وَيُسَبِّحُ فَلَا تَتَأَسَّفْ لَهُ أَلَّا يَكُونَ دَابَّةً تُرْكَبُ أَوْ شَاةً تُحْلَبُ فَاجْعَلْ أَيْضًا هَذَا الْمُتَكَلِّبَ كَلْبًا مِثْلَهُ وَاسْتَرِحْ مِنْ شُغْلِهِ وَأرْبَحْ مَؤُونَةَ الْفِكْرِ فِيهِ وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ مَنْزِلَةَ مَنْ جَهِلَ حَقَّكَ وَكَفَرَ مَعْرُوفَكَ فَاحْسِبْهُ حِمَارًا أَوْ زِدْ بِهِ فِي عَدَدِ الْعَانَةِ وَاحِدًا فَبِمِثْلِ هَذَا تَخْلُصُ مِنْ آَفَةِ هَذَا الْبَابِ وَغَائِلَتِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ

فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حِينَ يَقُولُ فِي تَمْثِيلِ مَنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ بِالْكَلْبِ فَقَالَ عَزَّ وَعَلَا: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176] وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] فَجَعَلَهُمْ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهَا وَأَبْعَدَ مَذْهَبًا فِي الضَّلَالِ حَتَّى قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ فَلَمْ يُذْعِنُوا لَهَا. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ رَأَى الْحُكَمَاءُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ آفَاتِ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ أَمْكَنُ وَالْخَلَاصَ مِنْهَا أَسْهَلُ مِنَ السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ النَّاسِ

اسم الکتاب : العزلة المؤلف : الخطابي    الجزء : 1  صفحة : 56
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست