اسم الکتاب : الضياء اللامع من الخطب الجوامع المؤلف : ابن عثيمين الجزء : 1 صفحة : 133
عدة مرات، وكل مرة يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فصل، فإنك لم تصل، حتى علمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بالطمأنينة» ، وتجد كثيرا من الناس إن لم يكن أكثر الناس يصلي بجسمه لا بقلبه جسمه في المصلى، وقلبه في كل واد، فليس في قلبه خشوع؛ لأنه يجول، ويفكر في كل شيء، حتى في الأمور التي لا مصلحة له منها، وهذا ينقص الصلاة نقصا كبيرا، وهو الذي يجعلها قليلة الفائدة للقلب بحيث يخرج هذا المصلي من صلاته، وهي لم تزده إيمانا ولا نورا، وقد فشا هذا الأمر أعني الهواجيس في الصلاة، ولكن الذي يعين على إزالته هو أن يفتقر العبد إلى ربه، ويسأله دائما أن يعينه على إحسان العمل، وأن يستحضر عند دخوله في الصلاة أنه سيقف بين يدي ربه وخالقه الذي يعلم سره ونجواه، ويعلم ما توسوس به نفسه، وأن يعتقد بأنه إذا أقبل على ربه بقلبه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرض الله عنه، وأن يؤمن بأن روح الصلاة ولبها هو الخشوع فيها وحضور القلب، وأن الصلاة بلا خشوع القلب كالجسم بلا روح، وكالقشور بلا لب، ومن الأمور التي تستوجب حضور القلب أن يستحضر معنى ما يقول، وما يفعل في صلاته، وأنه إذا كبر، ورفع يديه، فهو تعظيم لله، وإذا وضع اليمنى على اليسرى، فهو ذل بين يديه، وإذا ركع، فهو تعظيم لله، وإذا سجد، فهو تطامن أمام علو الله، وأنه إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] أجابه الله من فوق عرشه قائلا: حمدني عبدي، فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، هكذا يجيبك مولاك من فوق سبع سموات، فاستحضر ذلك، وإنك إذا قلت: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، وإن كنت تقولها بصوت خفي، فإن الله تعالى يسمع ذلك، وهو فوق عرشه، فما ظنك إذ آمنت بأن الله تعالى يقبل عليك إذا أقبلت عليه في الصلاة، وإنه يسمع كل قول تقوله، وإن كان خفيا، ويرى كل فعل تفعله، وإن كان صغيرا، ويعلم كل ما تفكر فيه، وإن كان يسيرا، إذا نظرت إلى موضع سجودك، فالله يراك، وإن أشرت بأصبعك عند ذكر الله في التشهد، فإنه تعالى يرى إشارتك، فهو تعالى المحيط بعبده علما وقدرة وتدبيرا وسمعا وبصرا، وغير ذلك من معاني ربوبيته. فاتقوا الله تعالى، أيها المسلمون، وأقيموا صلاتكم، وحافظوا عليها، واخشعوا فيها، فقد قال ربكم في كتابه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2]
اسم الکتاب : الضياء اللامع من الخطب الجوامع المؤلف : ابن عثيمين الجزء : 1 صفحة : 133