responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 80
وَصْفُهُ فَجَدِيرٌ بِأَنْ يُشَمِّرَ كُلُّ مُوَفَّقٍ عَنْ سَاقِ الْجِدِّ فِي إزَالَتِهِ بِالْمُجَاهَدَةِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ الشَّدِيدَةِ وَالْمُكَابَدَةِ لِقُوَّةِ الشَّهَوَاتِ، إذْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدٌ عَنْ الِاحْتِيَاجِ لِذَلِكَ إلَّا مَنْ رُزِقَ قَلْبًا سَلِيمًا نَقِيًّا خَالِصًا عَنْ شَوَائِبِ مُلَاحَظَةِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَخْلُوقِينَ، وَمُسْتَغْرِقًا دَائِمًا فِي شُهُودِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. وَإِلَّا فَغَالِبُ الْخَلْقِ إنَّمَا طُبِعَ عَلَيْهِ، إذْ الصَّبِيُّ يُخْلَقُ ضَعِيفَ الْعَقْلِ، مُمْتَدَّ الْعَيْنِ لِلْخَلْقِ، كَثِيرَ الطَّمَعِ فِيهِمْ، فَيَرَى بَعْضَهُمْ يَتَصَنَّعُ لِبَعْضٍ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ حُبُّ التَّصَنُّعِ بِالضَّرُورَةِ وَيَتَرَسَّخُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ؛ فَإِذَا كَمُلَ عَقْلُهُ وَوُفِّقَ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ رَأَى ذَلِكَ مَرَضًا مُهْلِكًا فَاحْتَاجَ إلَى دَوَاءٍ يُزِيلُهُ وَيَقْطَعُ عُرُوقَهُ بِاسْتِئْصَالِ أُصُولِهِ مِنْ حُبِّ لَذَّةِ الْمَحْمَدَةِ وَالْجَاهِ وَالطَّمَعِ فِيمَا بِأَيْدِي النَّاسِ، وَذَلِكَ الدَّوَاءُ النَّافِعُ هُوَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ رَغْبَتِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَضَرَّةِ، وَفَوَاتِ صَلَاحِ الْقَلْبِ، وَحِرْمَانِ التَّوْفِيقِ فِي الْحَالِ وَالْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْعِقَابِ الْعَظِيمِ وَالْمَقْتِ الشَّدِيدِ وَالْخِزْيِ الظَّاهِرِ، حَيْثُ يُنَادَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ وَيُقَالُ لِلْمُرَائِي: يَا فَاجِرُ، يَا غَادِرُ، يَا مُرَائِي أَمَا اسْتَحْيَيْتَ إذَا اشْتَرَيْتَ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، رَاقَبْتَ قُلُوبَ الْعِبَادِ وَاسْتَهْزَأْتَ بِنَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ، وَتَحَبَّبْتَ إلَى الْعِبَادِ بِالتَّبْغِيضِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -، وَتَزَيَّنْتَ لَهُمْ بِالشَّيْنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقَرَّبْتَ إلَيْهِمْ بِالْبُعْدِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الرِّيَاءِ إلَّا إحْبَاطُ عِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَفَى فِي شُؤْمِهِ وَضَرَرِهِ، فَقَدْ يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ فِي الْآخِرَةِ إلَى عِبَادَةٍ تَرْجَحُ بِهَا كِفَّةُ حَسَنَاتِهِ، وَإِلَّا ذُهِبَ بِهِ إلَى النَّارِ، وَمَنْ طَلَبَ رِضَا الْخَلْقِ فِي سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى سَخِطَ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَهُمْ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رِضَاهُمْ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ وَمَا أَرْضَى قَوْمًا إلَّا أَغْضَبَ آخَرِينَ، ثُمَّ أَيُّ غَرَضٍ لَهُ فِي مَدْحِهِمْ وَإِيثَارِهِ عَلَى ذَمِّ اللَّهِ وَغَضَبِهِ مَعَ أَنَّ مَدْحَهُمْ لَا يُفِيدُهُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ اللَّهُ وَحْدَهُ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَأَنْ يُقْصَدَ وَحْدَهُ إذْ هُوَ الْمُسَخِّرُ لِلْقُلُوبِ بِالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ فَلَا رَازِقَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا ضَارَّ وَلَا نَافِعَ إلَّا هُوَ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَلَا يَخْلُو الطَّامِعُ فِي الْخَلْقِ مِنْ الذُّلِّ وَالْخَيْبَةِ أَوْ مِنْ الْمِنَّةِ وَالْمَهَانَةِ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِرَجَاءٍ كَاذِبٍ وَوَهْمٍ فَاسِدٍ قَدْ يُصِيبُ وَقَدْ يُخْطِئُ، عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ اطَّلَعُوا عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ الرِّيَاءِ لَطَرَدُوهُ وَمَقَتُوهُ وَذَمُّوهُ وَأَحْرَمُوهُ، وَمَنْ نَظَرَ لِذَلِكَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَتَرَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْخَلْقِ وَأَقْبَلَ عَلَى الصِّدْقِ، فَهَذَا دَوَاءٌ عِلْمِيٌّ وَثَمَّ دَوَاءٌ عَمَلِيٌّ وَهُوَ أَنْ يَتَعَوَّدَ إخْفَاءَ الْعِبَادَاتِ كَإِخْفَاءِ الْفَوَاحِشِ حَتَّى يَقْنَعَ قَلْبُهُ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَلَا تُنَازِعَهُ نَفْسُهُ إلَى طَلَبِ عِلْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ.
وَيُكَلَّفُ الْإِخْفَاءَ كَذَلِكَ، وَإِنْ شَقَّ ابْتِدَاءً، لَكِنْ مَنْ صَبَرَ عَلَيْهِ مُدَّةً بِالتَّكَلُّفِ سَقَطَ

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 80
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست