responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 75
يَعْتَادَ تَرْكَهَا فِي الْخَلْوَةِ وَيَفْعَلَهَا فِي الْمَلَأِ خَوْفَ الْمَذَمَّةِ، وَهَذَا أَيْضًا عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِإِنْبَائِهِ عَلَى غَايَةِ الْجَهْلِ وَأَدَائِهِ إلَى أَعْلَى أَنْوَاعِ الْمَقْتِ، وَيَلِيهِمْ الْمُرَاءُونَ بِالنَّوَافِلِ كَأَنْ يَعْتَادَ ذَلِكَ فِيهَا وَحْدَهَا خَوْفَ الِاسْتِنْقَاصِ بِعَدَمِ فِعْلِهَا فِي الْمَلَإِ، وَإِيثَارًا لِلْكَسَلِ وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهَا فِي الْخَلْوَةِ، وَيَلِيهِمْ الْمُرَاءُونَ بِأَوْصَافِ الْعِبَادَاتِ كَتَحْسِينِهَا وَإِطَالَةِ أَرْكَانِهَا، وَإِظْهَارِ التَّخَشُّعِ فِيهَا، وَاسْتِكْمَالِ سَائِرِ مُكَمِّلَاتِهَا فِي الْمَلَإِ، وَالِاقْتِصَارِ فِي الْخَلْوَةِ عَلَى أَدْنَى وَاجِبَاتِهَا خَوْفَ إيثَارِ مَا ذُكِرَ فِي النَّوَافِلِ، فَهَذَا مَحْظُورٌ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ تَقْدِيمَ الْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ، وَقَدْ يَكِيدُ الشَّيْطَانُ فَاعِلَهُ فَيُزَيِّنُ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُمْ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهِ، وَلَوْ صَدَقَ لَصَانَ نَفْسَهُ عَنْ فَوَاتِ تِلْكَ الْكِمَالَاتِ بِمَا يَفْعَلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ؛ فَدَلَّتْ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِ عَلَى أَنَّ بَاعِثَ ذَلِكَ لَيْسَ إلَّا النَّظَرَ إلَى الْخَلْقِ رَجَاءَ مَحْمَدَتِهِمْ لَا صِيَانَتِهِمْ.
وَلِلْمُرَائِي لِأَجْلِهِ دَرَجَاتٌ أَيْضًا، فَأَقْبَحُهَا أَنْ يَقْصِدَ التَّمَكُّنَ مِنْ مَعْصِيَةٍ كَمَنْ يُظْهِرُ الْوَرَعَ وَالزُّهْدَ حَتَّى يُعْرَفَ بِهِ فَيُوَلَّى الْمَنَاصِبَ وَالْوَصَايَا، وَتُودَعَ عِنْدَهُ الْأَمْوَالُ، أَوْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ تَفْرِقَةُ الصَّدَقَاتِ وَقَصْدُهُ بِكُلِّ ذَلِكَ الْخِيَانَةُ فِيهِ، وَكَمَنْ يُذَكِّرُ أَوْ يَعِظُ أَوْ يُعَلِّمُ أَوْ يَتَعَلَّمُ لِلظَّفَرِ بِامْرَأَةٍ أَوْ غُلَامٍ، ثَمَّ فَهَؤُلَاءِ أَقْبَحُ الْمُرَائِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا طَاعَةَ رَبِّهِمْ سُلَّمًا إلَى مَعْصِيَتِهِ وَوَصْلَةً إلَى فِسْقِهِمْ وَتَسُوءُ عَاقِبَتُهُمْ.
وَيَلِيهَا مَنْ يُتَّهَمُ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ خِيَانَةٍ فَيُظْهِرُ الطَّاعَةَ وَالصَّدَقَةَ قَصْدًا لِدَفْعِ تِلْكَ التُّهْمَةِ.
وَيَلِيهَا أَنْ يَقْصِدَ نَيْلَ حَظٍّ مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ مَالٍ أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا.
وَيَلِيهَا أَنْ يَقْصِدَ بِإِظْهَارِ عِبَادَتِهِ وَوَرَعِهِ وَتَخَشُّعِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنْ لَا يُحْتَقَرَ وَيُنْظَرَ إلَيْهِ بِعَيْنِ النَّقْصِ، أَوْ أَنْ يُعَدَّ مِنْ جُمْلَةِ الصَّالِحِينَ وَفِي الْخَلْوَةِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ إظْهَارَ النَّظَرِ فِي يَوْمٍ يُسَنُّ صَوْمُهُ خَشْيَةَ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَا اعْتِنَاءَ لَهُ بِالنَّوَافِلِ، فَهَذِهِ أُصُولُ دَرَجَاتِ الرِّيَاءِ وَمَرَاتِبُ أَصْنَافِ الْمُرَائِينَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَجَمِيعُهُمْ تَحْتَ مَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَضَبِهِ وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ الْمُهْلِكَاتِ.

وَمِنْهَا: مَرَّ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ مِنْ الرِّيَاءِ مَا هُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» . وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَزِلُّ فِيهِ فُحُولُ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعِبَادِ الْجُهَلَاءِ بِآفَاتِ النُّفُوسِ وَغَوَائِلِ الْقُلُوبِ.
وَبَيَانُهُ أَنَّ الرِّيَاءَ إمَّا جَلِيٌّ وَهُوَ مَا يَحْمِلُ عَلَى الْعَمَلِ وَيَبْعَثُ عَلَيْهِ.
وَإِمَّا خَفِيٌّ وَهُوَ مَا لَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يُخَفِّفُ مَشَقَّتَهُ كَمَنْ يَعْتَادُ التَّهَجُّدَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ نَشِطَ لَهُ وَخُفِّفَ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ إنَّمَا يَعْمَلُ لِلَّهِ، وَلَوْلَا

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 75
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست