responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 70
وَحُزْنِهِ وَقِلَّةِ أَكْلِهِ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِأَمْرِ نَفْسِهِ لِاشْتِغَالِهِ عَنْهَا بِالْأَهَمِّ، وَتَوَالِي صَوْمِهِ وَسَهَرِهِ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، وَمَا دَرَى الْمَخْذُولُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ أَقْبَحُ مِنْ أَرَاذِلِهِمْ كَالْمَكَّاسِينَ وَقُطَّاعِ السَّبِيلِ. وَأَمْثَالِهِمْ، لِأَنَّهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِذُنُوبِهِمْ لَا غُرُورَ لَهُمْ فِي الدِّينِ بِخِلَافِ ذَلِكَ الْمَخْذُولِ الْمَمْقُوتِ. وَإِمَّا بِإِظْهَارِ زِيِّ الصَّالِحِينَ كَإِطْرَاقِ الرَّأْسِ فِي الْمَشْيِ وَالْهُدُوءِ فِي الْحَرَكَةِ، وَإِبْقَاءِ أَثَرِ السُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ وَلُبْسِ الصُّوفِ وَخَشِنِ الثِّيَابِ وَتَقْصِيرِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ إيهَامًا أَنَّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالسَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ - عَنْ مُحِقِّيهِمْ وَخَذَلَ مُبْطِلِيهِمْ مَعَ الْإِفْلَاسِ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَالتَّصَوُّفِ بِبَاطِنِهِ، وَمَا دَرَى الْمُخَادِعُ أَنَّ كُلَّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ لِأَجْلِ هَذَا التَّلْبِيسِ حَرَامٌ عَلَيْهِ قَبُولُهُ، فَإِنْ قَبِلَهُ كَانَ فَاسِقًا لِأَكْلِهِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. وَإِمَّا بِالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ، وَإِظْهَارِ حِفْظِ السُّنَنِ وَلِقَاءِ الْمَشَايِخِ وَإِتْقَانِ الْعُلُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ الْكَثِيرَةِ؛ إذْ الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ كَثِيرٌ وَأَنْوَاعُهُ لَا تَنْحَصِرُ. وَإِمَّا بِنَحْوِ تَطْوِيلِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَتَحْسِينِهَا، وَإِظْهَارِ التَّخَشُّعِ فِيهَا وَكَذَا الصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ. وَأَنْوَاعُ الرِّيَاءِ بِالْأَعْمَالِ لَا تَنْحَصِرُ، وَرُبَّمَا أَنَّ الْمُرَائِيَ مِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى إحْكَامِ الرِّيَاءِ، وَإِتْقَانِهِ يَتَأَلَّفُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ فِي خَلَوَاتِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ خُلُقًا لَهُ فِي الْمَلَإِ لَا لِلْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَيَاءِ مِنْهُ. وَإِمَّا بِالْأَصْحَابِ وَالزَّائِرِينَ وَالْمُخَالِطِينَ كَمَنْ يَطْلُبُ مِنْ عَالِمٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ صَالِحٍ أَنْ يَأْتِيَ إلَيْهِ لِزِيَارَتِهِ إيهَامًا لِرِفْعَتِهِ وَتَبَرُّكِ الْأَكَابِرِ بِهِ، وَكَمَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ لَقِيَ شُيُوخًا كَثِيرِينَ افْتِخَارًا بِهِمْ وَتَرَفُّعًا بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ.
فَهَذِهِ مَجَامِعُ أَبْوَابِ الرِّيَاءِ الْحَامِلِ إيثَارُهَا عَلَى طَلَبِ نَحْوِ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ وَاشْتِهَارِ الصِّيتِ حَتَّى تَنْطَلِقَ الْأَلْسُنُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَيُجْلَبَ الْحُطَامُ مِنْ سَائِرِ الْآفَاقِ إلَيْهِ.
وَمِنْهَا: حَيْثُ أُطْلِقَ الرِّيَاءُ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَذْمُومُ الَّذِي مَرَّ حَدُّهُ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ غَيْرَ الرِّيَاءِ فَعِبَادَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَلَيْتَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ السُّوءِ غَيْرُ ذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ عَظِيمُ الْإِثْمِ وَقَبِيحُ الذَّمِّ، كَمَا عُلِمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَالْمَعْنَى فِي تَحْرِيمِهِ وَكَوْنِهِ كَبِيرَةً وَشِرْكًا - مُقْتَضِيًا لِلَّعْنِ - أَنَّ فِيهِ اسْتِهْزَاءً بِالْحَقِّ تَعَالَى كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ قَتَادَةُ كَمَا مَرَّ: إذَا رَاءَى الْعَبْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اُنْظُرُوا إلَيْهِ كَيْفَ يَسْتَهْزِئُ بِي، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ أَحَدَ خُدَّامِ الْمَلِكِ الْقَائِمِينَ فِي خِدْمَتِهِ لَوْ كَانَ قَاصِدًا بِوُقُوفِهِ فِيهَا مُلَاحَظَةَ أَمَةٍ أَوْ أَمْرَدَ لِلْمَلِكِ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ اسْتِهْزَاءً بِذَلِكَ الْمَلِكِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَقَرُّبًا إلَيْهِ بِوَجْهٍ مَعَ إيهَامِهِ أَنَّهُ عَلَى غَايَةٍ مِنْ التَّقَرُّبِ، وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ اسْتِحْقَارٍ وَاسْتِهْزَاءٍ

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 70
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست