responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 58
الصَّحِيحِ وَلِلْإِجْمَاعِ السَّابِقَيْنِ الْآيَةَ بِمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ؟ ، وَإِذَا ثَبَتَ وَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيمَانُ الْيَأْسِ ثَبَتَ أَنَّ إيمَانَ فِرْعَوْنَ لَا يَصِحُّ، عَلَى أَنَّنَا قَدَّمْنَا أَنَّنَا لَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إيمَانِ الْيَأْسِ، فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيمَانُهُ أَيْضًا لِعَدَمِ إيمَانِهِ بِمُوسَى وَهَارُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ السَّحَرَةِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ صِيغَةَ إيمَانِهِمْ الْمَحْكِيَّتَيْنِ عَنْهُمَا فِي الْقُرْآنِ عَلِمَ اتِّضَاحَ مَا بَيْنَ الْإِيمَانَيْنِ فَلَا يَصْغَ إلَى قِيَاسِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَجَأَ إلَى مَا أَعْطَاهُ بَاطِنُهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الذِّلَّةِ وَالِافْتِقَارِ عَجِيبٌ، وَأَيُّ ذِلَّةٍ وَافْتِقَارٍ كَانَ عَلَيْهِمَا بَاطِنُهُ وَهُوَ يُنْكِرُ رُبُوبِيَّةَ رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْإِلَهَ الْمُطْلَقَ وَالرَّبَّ الْأَكْبَرَ يُؤْذِي مُوسَى وَيُكَذِّبُهُ وَيُعَانِدُهُ، فَهَلْ هُوَ فِي ذَلِكَ إلَّا كَأَبِي جَهْلٍ.
وَمِنْ ثَمَّ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَبِتَسْلِيمِ أَنَّ بَاطِنَهُ كَانَ عَلَيْهِمَا فَأَيُّ نَفْعٍ لَهُمَا مَعَ عَدَمِ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَحَمْلُ {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] عَلَى الْعَتْبِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ إذْ لَوْ صَحَّ إسْلَامُهُ، وَإِيمَانُهُ لَكَانَ الْأَنْسَبُ بِمَقَامِ الْفَضْلِ الَّذِي طَمَحَ إلَيْهِ نَظَرُ الشَّيْخِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: الْآنَ نَقْبَلُك وَنُكْرِمُك لِاسْتِلْزَامِ صِحَّةِ إيمَانِهِ رِضَا الْحَقِّ عَنْهُ. وَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ الرِّضَا الْأَكْبَرُ لَا يُقَالُ لَهُ بِاعْتِبَارِ رِعَايَةِ مَقَامِ الْفَضْلِ جَوَابًا لِإِيمَانِهِ الصَّحِيحِ {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَهُ أَدْنَى رَوِيَّةٍ وَسَلِيقَةٍ يَقْطَعُ بِأَنَّ هَذَا الْخِطَابَ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِهِ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ لَا الْمَرْضِيُّ عَنْهُ، وَتَخْصِيصُ {وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] بِمَا مَرَّ يَأْبَاهُ هَذَا الْبَيَانُ الَّذِي تَقَرَّرَ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ إيمَانُهُ مُحِيَ عَنْهُ مَا عَصَاهُ وَأَفْسَدَهُ فِي أَتْبَاعِهِ وَغَيْرِهِمْ، فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ الْمَحْوِ الْعَظِيمِ يُعَاقَبُ وَيُخَاطَبُ بِذَلِكَ التَّأْنِيبِ الْمَحْضِ وَالتَّقْرِيعِ الصِّرْفِ وَالتَّوْبِيخِ الْحَقِّ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا إلَّا لِإِقَامَةِ أَعْظَمِ نَوَامِيسِ الْغَضَبِ عَلَيْهِ، وَتَذْكِيرِهِ بِقَبَائِحِهِ الَّتِي قَدَّمَهَا، وَإِعْلَامِهِ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي مَنَعَتْهُ عَنْ النُّطْقِ بِالْإِيمَانِ إلَى آخِرِ رَمَقٍ مِنْهُ فَلَمْ يَنْفَعْهُ النُّطْقُ بِهَا حِينَئِذٍ.
سِيَّمَا وَهُوَ بَاقٍ عَلَى تَكْذِيبِهِ بِرَسُولِهِ وَعِنَادِهِ لِآيَاتِهِ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْ جَنَابِهِ، وَتَخْصِيصُ النَّجَاةِ، بِالْبَدَنِ أَعْظَمُ وَأَعْدَلُ شَاهِدٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهَا إلَّا مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُعْتَبِرُونَ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِغَرَقِهِ سِيَّمَا مَعَ دَعْوَاهُ الْإِلَهِيَّةَ، وَأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَمُوتُ فَأُلْقِيَ بِنَجْوَةٍ مِنْ الْأَرْضِ أَيْ رَبْوَةٍ مُرْتَفِعَةٍ، وَعَلَيْهِ دِرْعُهُ لِيُعْرَفَ بِهَا، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْبَدَنَ عَلَى الدِّرْعِ وَكَانَتْ لَهُ دِرْعٌ يُعْرَفُ بِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ بِأَبْدَانِك أَيْ دُرُوعِك، لِأَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ كَثِيرًا مِنْهَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَهُوَ عُرْيَانٌ لَا شَيْءَ يَسْتُرُهُ أَوْ أَنَّهُ بَدَنٌ بِلَا رُوحٍ، وَلَا تُنَافِيهِ الْقِرَاءَةُ الْمَذْكُورَةُ لِأَنَّهُ عَلَيْهَا جُعِلَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ بَدَنًا عَلَى حَدِّ:

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست