responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 375
هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ الْمُرَابُونَ بَلْ نَتُوبُ إلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَنَا بِحَرْبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَرَضُوا بِرَأْسِ الْمَالِ فَشَكَا الْمَدِينُونَ الْإِعْسَارَ فَأَبَوْا الصَّبْرَ عَلَيْهِمْ فَنَزَلَ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] أَيْ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُمْهِلُوهُ إلَى يَسَارِهِ، وَكَذَا يَجِبُ إنْظَارُ الْمُعْسِرِ فِي كُلِّ دَيْنٍ أَخْذًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَأَخَذَ جَمْعٌ بِهِ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْآيَاتِ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ الْآخِرَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] إلَخْ؛ فَسَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ مَثَلًا إلَى أَجَلٍ وَأَعْسَرَ الْمَدِينُ قَالَ لَهُ زِدْنِي فِي الْمَالِ حَتَّى أَزِيدَ فِي الْأَجَلِ فَرُبَّمَا جَعَلَهُ مِائَتَيْنِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ الثَّانِي فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا إلَى آجَالَ كَثِيرَةٍ فَيَأْخُذُ فِي تِلْكَ الْمِائَةِ أَضْعَافًا، فَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: 130] أَيْ بِتَرْكِ الرِّبَا {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130] أَيْ تَظْفَرُونَ بِبُغْيَتِكُمْ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ الرِّبَا لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْفَلَاحِ، وَسَبَبُهُ مَا مَرَّ فِي تِلْكَ الْآيَةِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ حَارَبَهُ هُوَ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ لَهُ فَلَاحٌ؟ فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا إيمَاءٌ إلَى سُوءِ خَاتِمَتِهِ وَدَوَامِ عُقُوبَتِهِ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى عَقِبَهَا: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131] أَيْ هُيِّئَتْ لَهُمْ بِطَرِيقِ الذَّاتِ وَلِغَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ أَكْثَرَ دَرَكَاتِهَا أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَهَا، فَفِيهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ بَقِيَ عَلَى الرِّبَا يَكُونُ مَعَ الْكُفَّارِ فِي تِلْكَ النَّارِ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُمْ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تِلْكَ الْمُحَارَبَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ وَأَدَّتْ بِهِ إلَى سُوءِ الْخَاتِمَةِ. {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .
وَتَأَمَّلْ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى تِلْكَ النَّارَ بِكَوْنِهَا أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ، فَإِنَّ فِيهِ غَايَةَ الْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِاتِّقَاءِ الْمَعَاصِي إذَا عَلِمُوا بِأَنَّهُمْ مَتَى فَارَقُوا التَّقْوَى دَخَلُوا النَّارَ الْمُعَدَّةَ لِلْكَافِرِينَ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عُقُولِهِمْ عَظَمَةُ عُقُوبَةِ الْكَافِرِينَ انْزَجَرُوا عَنْ الْمَعَاصِي أَتَمَّ الِانْزِجَارِ. فَتَأَمَّلْ عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْك مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ وَعِيدِ آكِلِ الرِّبَا يَظْهَرُ لَك إنْ كَانَ لَك أَدْنَى بَصِيرَةٍ قُبْحُ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ وَمَزِيدُ فُحْشِهَا، وَعَظِيمُ مَا يَتَرَتَّبُ مِنْ الْعُقُوبَاتِ عَلَيْهَا، سِيَّمَا مُحَارَبَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَرَتَّبَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 375
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست