responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 36
بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ بِأَنْ يَصْبِرُوا عَلَى الطَّاعَاتِ وَمَا يَلْقَوْنَهُ مِنْ الْمَكَارِهِ وَالْبَلِيَّاتِ، وَعَنْ الْمَعَاصِي وَمَا لَهَا مِنْ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ، فَمَنْ تَحَقَّقَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا ذَكَرْنَا كَانَ عَلَى رَجَاءٍ عَظِيمٍ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ الْخَسَارِ وَالْعَارِ وَالشَّنَارِ وَالْبَوَارِ، وَمِنْ الْوُصُولِ إلَى شُهُودِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَالْفَوْزِ بِرِضَاهُ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، حَقَّقَ اللَّهُ لَنَا ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. كَيْفَ يَصِحُّ لِعَاقِلٍ أَنْ يَأْمَنَ سَطَوَاتِ الْحَقِّ وَانْتِقَامَهُ، وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ: أَيْ بَيْنَ إرَادَتِهِ تَعَالَى السَّعَادَةَ لِأَقْوَامٍ وَالشَّقَاوَةَ لِآخَرِينَ، وَسُمِّيَ الْقَلْبُ قَلْبًا لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنْ قِدْرٍ أُغْلِيَ عَلَى مَا فِيهَا بِأَعْظَمِ الْوَقُودِ؛ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك» .
وَقَدْ قَالَ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج: 28] وَلَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى لَطَفَ بِعِبَادِهِ الْعَارِفِينَ وَالْعُلَمَاءِ الْوَارِثِينَ فَرَوَّحَ قُلُوبَهُمْ بِرُوحِ الرَّجَاءِ لَاحْتَرَقَتْ أَكْبَادُهُمْ مِنْ نَارِ خَوْفِهِ الَّتِي سَعَّرَهَا بِمَا أَظْهَرَهُ مِنْ نَوَامِيسِ قَهْرِهِ وَعَدْلِهِ الَّتِي لَوْ انْكَشَفَتْ حَقَائِقُهَا لَزَهَقَتْ النُّفُوسُ وَتَقَطَّعَتْ الْقُلُوبُ.
وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْلِفُ بِاَللَّهِ إنَّ مَنْ أَمِنَ السَّلْبَ عِنْدَ مَوْتِهِ سُلِبَ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَيْ جَزَاءً لِأَمْنِهِ مَكْرَ اللَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ جَعَلَ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَتُرَاكَ كَثِيرَ الذُّنُوبِ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَذُنُوبِي أَهْوَنُ عِنْدِي مِنْ هَذَا، إنِّي أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: لَمَّا اُحْتُضِرَ أَبِي جَلَسْتُ عِنْدَهُ وَبِيَدِي الْخِرْقَةُ لِأَشَدَّ بِهَا لَحْيَيْهِ، فَجَعَلَ يَغْرَقُ ثُمَّ يُفِيقُ وَيَقُولُ: أَلَا ابْعَدْ، فَقُلْت: يَا أَبَتِ مَا هَذَا الَّذِي قَدْ لَهِجْتَ بِهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَوَمَا تَعْلَمُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إبْلِيسُ قَائِمٌ بِحِذَائِي يَقُولُ يَا أَحْمَدُ فُتَّنِي، فَأَقُولُ أَلَا ابْعَدْ حَتَّى أَمُوتَ. وَكَانَ سَهْلٌ يَقُولُ: الْمَرِيدُ يَخَافُ أَنْ يُبْتَلَى بِالْمَعَاصِي، وَالْعَارِفُ يَخَافُ أَنْ يُبْتَلَى بِالْكُفْرِ.
وَيُرْوَى أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَكَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْجُوعَ وَالْعُرْيَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ: عَبْدِي أَمَا رَضِيتَ أَنْ عَصَمْتُ قَلْبَك عَنْ أَنْ تَكْفُرَ بِي حَتَّى تَسْأَلَنِي الدُّنْيَا، فَأَخَذَ التُّرَابَ فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: بَلَى قَدْ رَضِيتُ يَا رَبِّ فَاعْصِمْنِي مِنْ الْكُفْرِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا خَوْفَ الْعَارِفِينَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مَعَ رُسُوخِ

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 36
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست