responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 34
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَنَّهَا قَالَتْ: «دُعِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جِنَازَةِ غُلَامٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يُدْرِكْ الشَّرَّ وَلَمْ يَعْمَلْهُ، قَالَ: أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ؟ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ خَلَقَهُمْ لَهَا» .
وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُقْطَعُ بِدُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ، وَاشْتَدَّ إنْكَارُ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الشَّنِيعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِقَوَاطِعِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَتَزْيِيفُهُمْ وَتَغْلِيطُهُمْ لِقَائِلِهَا، وَلَا مُتَمَسَّكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِأَنَّهُمْ يُقْطَعُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، فَحِينَئِذٍ كَانَ لَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجَزْمُ. وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْقَطْعِيَّةُ فَلَا إنْكَارَ عَلَى مَنْ جَزَمَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَطْفَالِ الْكُفَّارِ، وَالْأَصَحُّ مِنْهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَيْضًا، وَرُبَّمَا يَأْتِي لَنَا عَوْدَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ لَا يَخَافُ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا الْحَاقَّةُ، وَالْوَاقِعَةُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَالْغَاشِيَةُ» .
قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَعَلَّ ذَلِكَ لِمَا فِيهِنَّ مِنْ التَّخْوِيفِ الْفَظِيعِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِنَّ مَعَ قِصَرِهِنَّ عَلَى حِكَايَةِ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ وَعَجَائِبِهَا وَفَظَائِعِهَا، وَأَحْوَالِ الْهَالِكِينَ وَالْمُعَذَّبِينَ مَعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هُودٌ مِنْ الْأَمْرِ بِالِاسْتِقَامَةِ كَمَا أُمِرَ، وَهَذَا مِنْ أَصْعَبِ الْمَقَامَاتِ الَّذِي لَا يَتَأَهَّلُ لِلْقِيَامِ بِهِ إلَّا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ كَمَقَامِ الشُّكْرِ إذْ هُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ فِي كُلِّ ذَرَّةٍ وَنَفَسٍ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ حَوَاسِّهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ وَطَاعَتِهِ بِمَا يُنَاسِبُ كُلَّ جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَلِذَا لَمَّا «قِيلَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُجَاهَدَتِهِ لِنَفْسِهِ وَكَثْرَةِ بُكَائِهِ وَخَوْفِهِ وَتَضَرُّعِهِ: أَتَفْعَلُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟» .
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] رُبَّمَا فَهِمَ مِنْهُ بَعْضُ مَنْ لَا تَأَمُّلَ لَهُ أَنَّ فِيهِ رَجَاءً عَظِيمًا، وَأَيُّ رَجَاءٍ عَظِيمٍ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ تَعَالَى شَرَطَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي مَغْفِرَتِهِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ: التَّوْبَةَ وَالْإِيمَانَ

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست