responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 312
أَحَدًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَوْ لَمْ أَحْضُرْ لَمَا تَمَّ هَذَا الْأَمْرُ، أَوْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: أَنْتَ ضَعِيفٌ لَا مَنْفَعَةَ بِك فِي الْجِهَادِ.
ثُمَّ إنَّ الْمَنَّ هُوَ أَنْ يُعَدِّدَ نِعْمَتَهُ عَلَى الْآخِذِ أَوْ يَذْكُرَهَا لِمَنْ لَا يُحِبُّ الْآخِذُ اطِّلَاعَهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَرَى أَنَّ لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِإِحْسَانِهِ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ دُعَاءً وَلَا يَطْمَعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانِهِ فَيَسْقُطُ أَجْرُهُ، وَأَصْلُ الْمَنِّ الْقَطْعُ وَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى النِّعْمَةِ، لِأَنَّ الْمُنْعِمَ يَقْطَعُ مِنْ مَالِهِ قِطْعَةً لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ. وَالْمِنَّةُ النِّعْمَةُ أَوْ النِّعْمَةُ الثَّقِيلَةُ وَمِنْهُ وَصْفُهُ - تَعَالَى - بِالْمَنَّانِ: أَيْ الْمُنْعِمِ، وَمِنْهُ: {وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: 3] أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ.
وَتَسْمِيَةُ الْمَوْتِ مَنُونًا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْحَيَاةَ، وَالْأَذَى هُوَ أَنْ يَنْهَرَهُ أَوْ يُعَيِّرَهُ أَوْ يَشْتُمَهُ، فَهَذَا كَالْمَنِّ مُسْقِطٌ لِثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَنُّ مِنْ صِفَاتِهِ - تَعَالَى - الْعَلِيَّةِ وَمِنْ صِفَاتِنَا الْمَذْمُومَةِ لِأَنَّهُ مِنْهُ - تَعَالَى - إفْضَالٌ وَتَذْكِيرٌ بِمَا يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ أَدَاءِ وَاجِبِ شُكْرِهِ وَمِنَّا تَعْيِيرٌ وَتَكْدِيرٌ، إذْ آخِذُ الصَّدَقَةِ مَثَلًا مُنْكَسِرُ الْقَلْبِ لِأَجْلِ حَاجَتِهِ إلَى غَيْرِهِ مُعْتَرِفٌ لَهُ بِالْيَدِ الْعُلْيَا؛ فَإِذَا أَضَافَ الْمُعْطِي إلَى ذَلِكَ إظْهَارَ إنْعَامِهِ تَعْدِيدًا عَلَيْهِ أَوْ تَرَفُّعًا أَوْ طَلَبًا لِمُقَابَلَتِهِ عَلَيْهِ بِخِدْمَةٍ أَوْ شُكْرٍ زَادَ ذَلِكَ فِي مَضَرَّةِ الْآخِذِ وَانْكِسَارِ قَلْبِهِ وَإِلْحَاقِ الْعَارِ وَالنَّقْصِ بِهِ وَهَذِهِ قَبَائِحُ عَظِيمَةٌ؛ عَلَى أَنَّ فِيهِ أَيْضًا النَّظَرَ إلَى أَنَّ لَهُ مِلْكًا وَفَضْلًا وَغَفْلَةً عَنْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَسَّرَ الْإِعْطَاءَ وَأَقْدَرَ عَلَيْهِ.
فَوَجَبَ النَّظَرُ إلَى جَنَابِ الْحَقِّ، وَالْقِيَامُ بِشُكْرِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا يُؤَدِّي إلَى مُنَازَعَةِ الْحَقِّ فِي فَضْلِهِ وَوُجُودِهِ إذْ لَا يَمُنُّ إلَّا مَنْ غَفَلَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هُوَ الْمُعْطِي وَالْمُتَفَضِّلُ.
وَ {مَنًّا} [البقرة: 262] فِي الْآيَةِ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَ {أَذًى} [البقرة: 262] عُطِفَ عَلَيْهِ، وَأَبْعَدَ بَعْضُهُمْ فَجَعَلَهُ اسْمَ (لَا) ، وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ.
وَالْمَعْنَى (وَلَا أَذًى) حَاصِلٌ لَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْمُنْفِقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِالْإِخْرَاجِ، وَمِمَّا يَرُدُّ هَذَا التَّكَلُّفَ الْبَعِيدَ تَنْوِينُ (أَذًى) إذْ الْمَشْهُورُ فِي اسْمِ (لَا) عَدَمُ تَنْوِينِهِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْفَتْحِ، وَلَيْسَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْأَجْرَ إلَّا وُجُودُ الْمَنِّ وَالْأَذَى مَعًا دُونَ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ مَدْلُولَ (مَنًّا وَلَا أَذًى) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا، عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ سُفْيَانَ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَإِنَّهُ قَالَ: هُمَا أَنْ يَقُولَ قَدْ أَعْطَيْتُك فَمَا شَكَرْت. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: إذَا أَعْطَيْت رَجُلًا شَيْئًا وَرَأَيْت أَنَّ سَلَامَك يَثْقُلُ عَلَيْهِ أَيْ لِكَوْنِهِ يَتَكَلَّفُ لَك قِيَامًا وَنَحْوَهُ لِأَجْلِ إحْسَانِك عَلَيْهِ فَكُفَّ سَلَامَك عَنْهُ " وَسَمِعَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا يَقُولُ لِآخَرَ:

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 312
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست