responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 291
وَالذِّكْرِ وَالْفِكْرِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُومَ بِهِ غَيْرُك فَتَضْيِيعُك الْوَقْتَ فِي غَيْرِهِ خُسْرَانٌ، أَوْ فِي خَيْرٍ عَامٍّ: كَبِنَاءِ مَسَاجِدَ، أَوْ رُبُطٍ، أَوْ قَنَاطِرَ، أَوْ سِقَايَاتٍ بِالطُّرُقِ، أَوْ دُورٍ لِلْمَرْضَى، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَافِ الْمُرْصَدَةِ لِلْخَيْرَاتِ، وَهَذِهِ مِنْ الْخَيْرَاتِ الْمُؤَبَّدَةِ الدَّائِمَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ الْمُسْتَجْلِبَةِ بَرَكَةَ أَدْعِيَةِ الصَّالِحِينَ إلَى أَوْقَاتٍ مُتَمَادِيَةٍ، وَنَاهِيكَ بِذَلِكَ خَيْرًا.
فَهَذِهِ جُمْلَةُ فَوَائِدِ الْمَالِ فِي الدِّينِ سِوَى مَا فِيهِ مِنْ الْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ كَالْعِزِّ، وَكَثْرَةِ الْخَدَمِ، وَالْأَصْدِقَاءِ، وَتَعْظِيمِ النَّاسِ لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْمَالُ مِنْ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ لِلْمَالِ آفَاتٌ كَثِيرَةٌ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ، فَالدِّينِيَّةُ أَنَّهُ يَجُرُّ إلَى الْمَعَاصِي لِلتَّمَكُّنِ بِهِ مِنْهَا، إذْ مِنْ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ، وَمَتَى اسْتَشْعَرَتْ النَّفْسُ الْقُدْرَةَ عَلَى مَعْصِيَةٍ انْبَعَثَتْ دَاعِيَتُهَا إلَيْهَا فَلَا تَسْتَقِرُّ حَتَّى تَرْتَكِبَهَا، وَيَجُرُّ أَيْضًا ابْتِدَاءً إلَى التَّنَعُّمِ بِالْمُبَاحَاتِ حَتَّى يَصِيرَ إلْفًا لَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِسَعْيٍ أَوْ كَسْبٍ حَرَامٍ لَاقْتَرَفَهُ تَحْصِيلًا لِمَأْلُوفَاتِهِ إذْ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ كَثُرَ احْتِيَاجُهُ إلَى مُعَاشَرَةِ النَّاسِ وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ أَنَّهُ يُنَافِقُهُمْ وَيَعْصِي اللَّهَ فِي طَلَبِ رِضَاهُمْ أَوْ سَخَطِهِمْ، فَتَثُورُ الْعَدَاوَةُ وَالْحِقْدُ، وَالْحَسَدُ، وَالرِّيَاءُ، وَالْكِبْرُ، وَالْكَذِبُ، وَالْغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَحْوَالِ السَّيِّئَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَقْتِ وَاللَّعْنِ، وَيَجُرُّ أَيْضًا إلَى مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِإِصْلَاحِ مَالِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَكُلُّ مَا شَغَلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ شُؤْمٌ وَخُسْرَانٌ مُبِينٌ، وَهَذَا هُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ فَإِنَّ أَصْلَ الْعِبَادَاتِ وَسِرَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ وَالتَّفَكُّرُ فِي جَلَالِهِ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي قَلْبًا فَارِغًا، وَمُحَالٌ فَرَاغُهُ مَعَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ إصْلَاحِ الْمَالِ وَالِاعْتِنَاءِ بِتَحْصِيلِهِ وَدَفْعِ مَضَارِّهِ وَذَلِكَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ، فَهَذِهِ جُمَلُ الْآفَاتِ الدِّينِيَّةِ؛ سِوَى مَا يُقَاسِيهِ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مِنْ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ الدَّائِمِ وَالتَّعَبِ فِي دَفْعِ الْخَسَارِ وَتَجَشُّمِ الْمَصَاعِبِ وَالْمَشَاقِّ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَكَسْبِهَا، فَإِذًا تِرْيَاقُ الْمَالِ أَخْذُ نَحْوِ الْقُوتِ مِنْهُ، وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ سُمُومٌ وَآفَاتٌ.
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمَالُ لَيْسَ بِخَيْرٍ مَحْضٍ وَلَا شَرٍّ مَحْضٍ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا يُمْتَدَحُ تَارَةً لَا مَحَالَةَ وَيُذَمُّ أُخْرَى، لَكِنْ مَنْ أَخَذَ مِنْ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِمَّا يَكْفِيهِ فَقَدْ أَخَذَ حَتْفَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ كَمَا وَرَدَ، وَلَمَّا مَالَتْ الطِّبَاعُ إلَى الشَّهَوَاتِ الْقَاطِعَةِ عَنْ الْهُدَى، وَكَانَ الْمَالُ آلَةً فِيهَا عَظُمَ الْخَطَرُ فِيمَا يَزِيدُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَاسْتَعَاذَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ شَرِّهِ حَتَّى

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 291
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست