responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 168
لِاتِّصَالَاتٍ بِالْكَوَاكِبِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قُرَيْشًا تَخَاصَمُوا فِي الْقَدَرِ. وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ اللَّهَ مَكَّنَ الْعَبْدَ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يُطْعِمَ الْفَقِيرَ، وَلِهَذَا قَالُوا: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47] مُنْكِرِينَ لِقُدْرَتِهِ - تَعَالَى - عَلَى الْإِطْعَامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» . فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ الدَّعْوَى فَالْقَدَرِيَّةُ فِي زَمَانِهِ هُمْ الْمُشْرِكُونَ الْمُنْكِرُونَ قُدْرَتَهُ تَعَالَى عَلَى الْحَوَادِثِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُعْتَزِلَةُ، أَوْ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ الْقَدَرِيَّةِ إلَيْهِمْ كَنِسْبَةِ الْمَجُوسِ إلَى الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَضْعَفُ الْأُمَمِ شُبْهَةً وَأَشَدُّهُمْ مُخَالَفَةً لِلْعَقْلِ، وَكَذَا الْقَدَرِيَّةُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَكَوْنُهُمْ كَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِكُفْرِهِمْ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْقَدَرِيَّ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ قُدْرَةَ اللَّه تَعَالَى انْتَهَى.
وقَوْله تَعَالَى (كُلَّ) مَنْصُوبٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَقُرِئَ شَاذًّا بِالرَّفْعِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُوهِمُ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ إذْ (كُلَّ) مُبْتَدَأٌ وَ (خَلَقْنَاهُ) صِفَتُهُ أَوْ صِفَةُ: شَيْءٍ، وَبِقَدَرٍ خَبَرُهُ أَيْ كُلُّ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ بِالْخَلْقِ هُوَ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ فِي مَاهِيَّتِهِ وَزَمَانِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْغَيْرَ الْمَخْلُوقِ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِقَدَرٍ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ ثَمَّ مَخْلُوقَاتٍ لِغَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَالْإِنْسَانِ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ النَّصْبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا تُفِيدُ عُمُومَ خَلْقِهِ تَعَالَى لِكُلِّ شَيْءٍ. إذْ التَّقْدِيرُ إنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ: فَخَلَقْنَاهُ الثَّانِيَةُ تَفْسِيرٌ وَتَأْكِيدٌ لِخَلَقْنَا الْأُولَى لَا صِفَةٌ لِشَيْءٍ، لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَ الْمَوْصُوفِ فَيَضِيعُ نَصْبُ كُلٍّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ نَاصِبَهُ مُضْمَرٌ، وَأَنَّ خَلَقْنَاهُ الْمَذْكُورَ تَأْكِيدٌ وَتَفْسِيرٌ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالتَّأْكِيدُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ، فَكُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ شُمُولِ الْخَلْقِ لَهُ، وَبِقَدَرٍ حَالٌ: أَيْ إنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ حَالَ كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِتَقْدِيرِنَا لَهُ أَوْ بِمِقْدَارٍ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ. فَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي حَقِّيَّةِ مَذْهَبِهِمْ وَبُطْلَانِ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَلَمْ يَشْتَدَّ تَعَصُّبُ الزَّمَخْشَرِيِّ لَهُمْ هُنَا كَعَادَتِهِ لِضَعْفِ وَجْهِ الرَّفْعِ خِلَافًا لِقَوْمٍ زَعَمُوا أَنَّهُ الِاخْتِيَارُ صِنَاعَةً، بَلْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْوَجْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلَيْسَ كَمَا زُعِمَ لِأَنَّ إنَّا عِنْدَهُمْ تَطْلُبُ الْفِعْلَ، فَكَانَ النَّصْبُ هُوَ الِاخْتِيَارَ صِنَاعَةً أَيْضًا.
وَلَك أَنْ تَقُولَ وَلَوْ سَلَّمْنَا قِرَاءَةَ الرَّفْعِ هُنَا لَا دَلَالَةَ فِيهَا لِلْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ خَلَقْنَاهُ كَمَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ يَحْتَمِلُ الْخَبَرِيَّةَ لِكُلٍّ وَهُمَا خَبَرَانِ فَأَفَادَتْ مَا يُفِيدُهُ النَّصْبُ مِنْ الْعُمُومِ، وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْعُمُومَ وَغَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ؛ وَعَلَى التَّنَزُّلِ وَأَنَّهُ صِفَةٌ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 168
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست