responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 119
مَسَائِلِ الدِّينِ بِالْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ - تَأْبَى نَفْسُهُ مِنْ قَبُولِ مَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اتَّضَحَ سَبِيلُهُ، بَلْ يَدْعُوهُ كِبْرُهُ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَزْيِيفِهِ وَإِظْهَارِ إبْطَالِهِ، فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26] {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 206] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَفَى بِالرَّجُلِ إثْمًا إذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَقُولَ: عَلَيْك بِنَفْسِك.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ: «كُلْ بِيَمِينِك، فَقَالَ مُتَكَبِّرًا: لَا أَسْتَطِيعُ فَشُلَّتْ يَدُهُ فَلَمْ يَرْفَعْهَا بَعْدُ» .
فَإِذَنْ التَّكَبُّرُ عَلَى الْخَلْقِ يَدْعُو إلَى التَّكَبُّرِ عَلَى الْخَالِقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ إبْلِيسَ لَمَّا تَكَبَّرَ عَلَى آدَمَ وَحَسَدَهُ بِقَوْلِهِ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] جَرَّهُ ذَلِكَ إلَى التَّكَبُّرِ عَلَى اللَّهِ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ فَهَلَكَ هَلَاكًا مُؤَبَّدًا، وَمِنْ ثَمَّ جُعِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَلَامَةِ الْكِبْرِ بَطَرُ الْحَقِّ أَيْ رَدُّهُ، وَغَمْطُ النَّاسِ: أَيْ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ؛ ثُمَّ الْحَامِلُ عَلَى التَّكَبُّرِ هُوَ اعْتِقَادُ كَمَالِ تَمَيُّزِهِ عَلَى الْغَيْرِ بِعِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ مَالٍ أَوْ جَمَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ كَثْرَةِ أَتْبَاعٍ، فَالتَّكَبُّرُ أَسْرَعُ إلَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُمْنَحُوا نُورَ التَّوْفِيقِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَرَى غَيْرَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْبَهِيمَةِ فَيُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهِ الَّتِي طَلَبَهَا الشَّارِعُ مِنْهُ كَالسَّلَامِ وَالْعِيَادَةِ وَالْبِشْرِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهِ لِمَحَبَّتِهِ التَّرَفُّعَ عَلَيْهِ، وَفَاعِلُ ذَلِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ لِأَنَّهُ جَهِلَ مِقْدَارَ نَفْسِهِ وَرَبِّهِ، وَخَطَرَ الْخَاتِمَةِ، وَعَكَسَ الْمَوْضُوعَ، إذْ مِنْ شَأْنِ الْعِلْمِ أَنْ يُوجِبَ مَزِيدَ الْخَوْفِ وَالتَّوَاضُعِ لِعِظَمِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَتَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَتِهِ، لَكِنْ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عِلْمَهُ إمَّا يَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ فِيهِ فَخَاضَ فِيهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ فَأَنْتَجَ لَهُ تِلْكَ الْقَبَائِحَ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ سِيمَا الصَّالِحِينَ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ الْكِبْرُ، لَكِنَّ النَّاسَ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهِمْ بِقَضَاءِ مَآرِبِهِمْ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إكْرَامِهِمْ فَيَرَوْنَ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ أَرْفَعُ وَأَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ دُونَهُمْ لِعَدَمِ وُصُولِهِمْ إلَى صُوَرِ أَعْمَالِهِمْ، وَمَا دَرَوْا أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِسَلْبِهِمْ.
كَمَا وَقَعَ أَنَّ خَلِيعًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ جَلَسَ إلَى عَابِدٍ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَأَنِفَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَطَرَدَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى نَبِيِّهِمْ أَنَّهُ غَفَرَ لِلْخَلِيعِ وَأَحْبَطَ عَمَلَ الْعَابِدِ.
فَالْجَاهِلُ الْعَامِّيُّ إذَا تَوَاضَعَ وَذُلَّ هَيْبَةً لِلَّهِ وَخَوْفًا مِنْهُ فَقَدْ أَطَاعَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ أَطْوَعُ مِنْ الْعَالِمِ الْمُتَكَبِّرِ وَالْعَابِدِ الْمُعْجَبِ.

اسم الکتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 119
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست