اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 253
الاستقصاء، ومع الفضل الاستبقاء وإني لأرجو أن يحاسب اللَّه تعالى عباده
بالفضل لا بالعدل، وقد أمرهم أن يصاحب بعضهم بعضًا بالفضل، وقد عظم الله تعالى أمر الإحسان والإفضال فقال: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)
وقال: (وهل يأمر الحكيم بما لا يفعله، وكيف يترك الكريم التفضل ويقتصر على العدالة وقد بين أن الفضل أكرم وأفضل، تعالى عن أدنى المنزلتين، وكيف لا يرجى تفضله وأفعاله كلها عدل وعدله كله تفضل، لأنه مبتدئ بما لا يلزمه والابتداء بما لا يلزم تفضل، وهل يجوز أن يترك التفضل انتهاءً وقد تحراه ابتداءً؟!. الظلم الظلم: هو الانحراف عن العدل، ولذلك حدَّ بأنه: وضع الشيء في غير موضعه المخصوص به، وقد تقدم أن العدل يجري مجرى النقطة من الدائرة فتجاوزها من جهة الإفراط عدوان وطغيان، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167)
والانحراف عنها في بعض جوانبها جور والظلم أعم الأسماء، ولما كان الظلم ترك الحق الجاري مجرى النقطة من الدائرة صار العدول عنه إما قريبًا وإما بعيدًا، فمن كان عنه أبعد كان رجوعه إليه أصعب " ولذلك قال تعالى: (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)
تنبيهًا أن الشيطان متى أمعن بهم في البعد من الحق
صعب عليهم حينئذٍ الاهتداء، ولأجل من فعل بهم الشيطان ذلك قال تعالى:
(أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) .
وأما المستعمل معهم الظلم فخمسة، وهم الذين يجب استعمال العدل معهم وقد تقدم ذكرهم، الأول: رب العزة، الثاني: قوى النفس، الثالث: أسلاف الرجل، الرابع: معاملوه من الأحياء، الخامس: عامة الناس إذا تولى الإنسان الحكم بينهم،
وقد قال بعض العلماء: أظلم الناس من جار على نفسه، ثم مَن جار على ذويه، ثم من جار على كافة الناس، وأفضلهم من عدل مع كافة الناس، ثم مع عشيرته، ثم مع نفسه
وهذا قول وارد بنظر عامي، فإن الظالم لا يكون ظالماً لغيره حتى يظلم أولا نفسه، فإنه في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذًا الظالم أَبْدأُ مبتدئ بظلم نفسه، والعادل مع
اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 253