اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 181
فبين أنه إنما منعهم لما لم يكن فيهم خير، وبين أن في إسماعهم ذلك مفسدة لهم وسأل جاهل حكيمًا عن مسألة من الحقائق فأعرض عنه
ولم يجبه، فقال له: أما سمعت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة " فقال: بلى سمعته، أترك اللجام هاهنا وأذهب فإذا جاء من ينفعه ذلك وكتمته فليلجمني به، وقال بعض الحكماء في قوله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) أنه نبه به على هذا المعنى وذلك أنه
لما منعنا من تمكين السفيه من المال الذي هو عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر تفاديًا أنه ربما يؤديه إلى هلاك دنيوي فلأن يمنع من تمكينه من حقائق العلوم التي إذا عرفها السفيه أدته إلى ضلال وإضلال، وهلاك وإهلاك - أحق وأولى فإنه:
إذا ما اقتنى العلم ذو شرة ... تضاعف ما ذم من مخبره
وصادف من علمه قوة ... يصول بها الشر في جوهره
وكما أنه واجب على الحكام إذا وجدوا من السفهاء رشدًا أن يرفعوا عنهم الحجر ويدفعوا إليهم أموالهم، لقوله تعالى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)
فواجب على الحكماء إذا وجدوا من المسترشدين قبولًا أن يبذلوا العلوم لهم
بقدر استحقاقهم، فالعلم قنية يتوصل بها إلى الحياة الأبدية، كما أن المال قنية يتوصل بها في المعونة على الحياة الدنيوية، وباذل العلم لمن لا يستحقه يستوجب عقوبة، ومانعه عن أهله يستوجب عقوبات، ولذلك قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) .
وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون من تقيد من العامة بقيد الشرع بحسب حاله
لا يصرف عما هو بصدده فيؤدي ذلك إلى انحلاله عن قيده، ثم لا يمكن أن يقيد بقيد الخواص فيرتفع السد الذي بينه وبين الشرور.
اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 181