responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني    الجزء : 1  صفحة : 177
ليس بصدد تعلمه، وكفى على ذلك تنبيهًا ما حكى اللَّه تعالى عن العبد الصالح أنه قال لموسى - صلى الله عليه وسلم - حيث قال له: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
(قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)
فنهاه عن مراجعته وليس ذلك نهيا عما حث اللَّه تعالى عليه بقوله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)
وإنما هو نهي عن نوع من العلم الذي لم تبلغه منزلته بعد، والحث إنما هو على سؤال عن تفاصيل ما خفي عليه من النوع الذي هو بصدد تعلمه،
وحق من هو بصدد تعلم علم من العلوم أن لا يصغي إلى الاختلافات المشككة والشبه الملتبسة ما لم يتهذب في قوانين ما هو بصدده، لئلا تتولد له شبهة تصرفه عن التوجه فيه فيؤدي ذلك به إلى الارتداد، ولذلك نهى اللَّه تعالى من لم يكن قد تقوَّى في الإسلام عن مخالفة الكفار فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)
وقال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا)
ومن أجل ذلك كره للعامة أن يجالسوا أهل الأهواء والبدع " لئلا
يغووهم، فالعامي إذا خلا بذوي البدع كالشاة إذا خلا بها السبع، وقال بعض الحكماء:
إنما حرم اللَّه تعالى في الابتداء لحم الخنزير، لأنه أراد تعالى أن يقطع العصمة بين العرب وبين الذين كانوا يشككونهم في دينهم باجتماعهم معهم من اليهود والنصارى، فحرم على المسلمين ذلك، إذ هو معظم مأكولاتهم، وعظم الأمر في تناوله ومسه لينتهي المسلمون عن الاجتماع معهم في المؤاكلة والأنس، وقال - صلى الله عليه وسلم - في المؤمن والكافر: " لا
تتراءى ناراهما " لذلك فأما الحكيم فإنه لا بأس بمجالسته إياهم فإنه جار مجرى سلطان ذي عدة وأجناد وعتاد لا يخاف عليه العدو حيث ما توجه، ولهذا جوز له الاستماع إلى الشبهة، بل أوجب عليه أن يتتبع بقدر جهده كلامهم ويسمع شبههم ليجاهدهم ويدافعهم، والعالم أفضل المجاهدين (الذابين عن الدين) ، فالجهاد جهادان جهاد بالبنان وجهاد بالبيان، ولما تقدم سمَّي اللَّه تعالى الحجة سلطانًا في غير موضع من كتابه
كقوله تعالى حكاية عن موسى - صلى الله عليه وسلم -: (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) .

اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني    الجزء : 1  صفحة : 177
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست