اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 172
استحسان معرفة أنواع العلوم
حق الإنسان ألا يترك شيئًا من العلوم أمكنه النظر فيه، واتسع العمر له إلا ويخبر بشمه عرفه وبذوقه طيبه، ثم إن ساعده القدر على التغذي به والتزود منه فبها ونعمت، وإلا لم يبصر - لجهله بمحله وغباوته عن منفعته - إلا معاديًا له بطبعه.
فمن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرَّا به الماء الزلالا
ومن جهل شيئًا عاداه، فالناس أعداء ما جهلوا، بل قال اللَّه تعالى: (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) .
وقد حكي عن بعض فضلاء القضاة أنه رئي بعدما طعن في السن وهو يتعلم أشكال الهندسة، فقيل له في ذلك. فقال: وجدته علمًا نافعًا فكرهت أن أكون لجهلي به معاديًا له.
ولا ينبغي للعاقل أن يستهين بشيء من العلوم، بل يجب أن يجعل لكل واحد حظه الذي يستحقه، ومنزلته التي يستوجبها، ويشكر من هداه لفهمه، وصار سببا لعلمه، فقد حكي عن بعض الحكماء أنه قال: يجب أن نشكر آباءنا الذين ولدوا لنا الشكوك؛ إذ كانوا أسبابًا لما حرك خواطرنا للنظر في العلم، فضلًا عن شكر من أفادنا طرفًا من العلم، ولولا مكان فكر من تقدمنا لأصبح المتأخرون حيارى قاصرين عن معرفة مصالح دنياهم فضلًا عن مصالح أخراهم.
فمن تأمل حكمة اللَّه تعالى في أقل آلة يستعملها الناس كالمقراض حيث جمع بين سكينين، مركبًا على وجه يتوافى حداهما على نمط واحد للقرض أكثر تعظيم اللَّه وشكره، وقال: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا) .
معاداة بعض الناس لبعض العلوم
العلم طريق إلى اللَّه تعالى ذو منازل، وقد وكل اللَّه تعالى بكل منزل فيها حفظة كحفظة الرباطات والثغور في طريق الحج والغزو، فمن منازله معرفة اللغة التي عليها بني الشرع، ثم حفظ كلام رب العزة، ثم سماع الحديث، ثم الفقه، ثم علم الأخلاق والورع، ثم علم المعاملات، وما بين ذلك من الوسائط، من معرفة أصول البراهين والأدلة، ولهذا قال اللَّه تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ)
اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 172