اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 150
ولكن إذاما استجمعنا عند واحد ... فحق له من طاعة بنصيب
ومن دخل في أمر بعد الاحتراز من هذه الأربعة فقد أحكم تدبيره، فإن لم ينجح عمله لم يلحقه مذمَّة.
وأما التدبير: فنحو الرأي، لكن يقال له إذا استعمل في النظر في عواقب الأمور، واشتقاقه يقتضي ذلك، لأنه تأمل دبر الأمر، وعليه حثَّ الشاعر في قوله:
ومن ترك العواقب مهملات ... فأيسر سعيه أبدًا تبار
وأما الفكرة: فقوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، وهو تخيل عقلي موجود في الإنسان، والتفكر جولان تلك القوة بين الخواطر بحسب نظر العقل، وقد يقال للتفكر: الفكر، وربما ضلَّ الفكر وأخطأ ضلال الرائد وخطأه، والتفكر لا يكون إلا فيما له ماهية بما يصح أن يجعل له صورة في القلب مفهومة، ولأجل ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
" تفكروا في آلاء اللَّه ولا تفكروا في اللَّه "،
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)
وقال: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)
وسئل بعض الحكماء عن الفكرة
والعبرة، فقال: الفكرة أن تجعل الغائب حاضرًا، والعبرة أن تجعل الحاضر غائبًا.
وأما الذكر: فوجود الشىِء في القلب أو في اللسان، وذلك أن الشيء له أربعة وجودات:
وجوده في ذاته، ووجوده في قلب الإنسان، ووجوده في لفظه، ووجوده
في كتابته.
فوجوده في ذاته هو سبب لوجوده في قلب الإنسان، ووجوده في قلبه
سبب لوجوده فىِ لسانه، ولوجوده في كتابته. ويقال للوجودين، أي: للوجود في القلب، والوجود في اللسان: الذكر، ولا اعتداد بذكر اللسان ما لم يكن ذلك عن
اسم الکتاب : الذريعة الى مكارم الشريعة المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 150