responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوابين المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 20
ذَلِكَ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَأْمُرَ بَعْضَ الشَّيَاطِينِ فَيُصَوِّرُونَ لِي صُورَةَ أَبِي فِي دَارِي فَأَرَاهُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا رَجَوْتُ أَنْ يَذْهَبَ عَنِّي حُزْنِي وَيُسَلَّى عَنِّي بَعْضُ مَا أَجِدُ فِي نَفْسِي.
فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ صَخْرًا الْمَارِدَ فَمَثَّلَ لَهَا أَبَاهَا فِي هَيْئَتِهِ فِي نَاحِيَةِ دَارِهَا لا تُنْكِرُ مِنْهُ شَيْئًا إِلا أَنَّهُ لا رُوحَ فِيهِ. فَعَمَدَتْ إِلَيْهِ فَزَيَّنَتْهُ وَأَلْبَسَتْهُ حَتَّى تَرَكَتْهُ فِي هَيْئَةِ أَبِيهَا وَلِبَاسِهِ فَإِذَا خَرَجَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنْ دَارِهَا تَغْدُو عَلَيْهِ كُلَّ غُدْوَةٍ مَعَ جَوَارِيهَا فَتُطَيِّبُهُ وَتَسْجُدُ لَهُ وَتَسْجُدُ جَوَارِيهَا وَتَرُوحُ بِمِثْلِهِ - وَسُلَيْمَانُ لا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ -.
حَتَّى أَتَى لِذَلِكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَبَلَغَ النَّاسَ وَبَلَغَ آصِفَ بْنَ بَرْخِيَا - وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَقُومَ مَقَامًا أَذْكُرُ فِيهِ مَنْ مَضَى مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأُثْنِي عَلَيْهِمْ بِعِلْمِي فِيهِمْ.
قَالَ: فَجَمَعَ سُلَيْمَانُ النَّاسَ فَقَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ مَنْ مَضَى مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَثْنَى عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ بِمَا فِيهِ وَذَكَرَ مَا فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سُلَيْمَانَ فَذَكَرَ فَضْلَهُ وَمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَصِغَرِهِ ثُمَّ سَكَتَ. فَامْتَلأَ سُلَيْمَانُ غَيْظًا. فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ. فَقَالَ: يَا آصَفُ! ذَكَرْتَ مَنْ مَضَى مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ فَأَثْنَيْتَ عَلَيْهِمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زَمَانِهِمْ كُلِّهِ فَلَمَّا ذَكَرْتَنِي جَعَلْتَ تُثْنِي عَلَيَّ بِخَيْرٍ فِي صِغَرِي وَسَكَتَّ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِي فِي كِبَرِي فَمَا الَّذِي أَحْدَثْتُ فِي كِبَرِي؟.
قَالَ: أَحْدَثْتَ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ يُعْبَدُ فِي دَارِكَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي هَوَى امْرَأَةٍ.
قَالَ: فِي دَارِي؟ قَالَ: فِي دَارِكَ.
قَالَ: إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عَرَفْتُ مَا قُلْتَ هَذَا إِلا عَنْ شَيْءٍ بَلَغَكَ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى دَارِهِ وَكَسَرَ ذَلِكَ الصَّنَمَ وَعَاقَبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ وَوَلائِدَهَا ثُمَّ دَعَا بِثِيَابِ الطُّهْرِ فَلَبِسَهَا. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى فَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ فَفُرِشَ لَهُ الرَّمَادُ ثُمَّ أَقْبَلَ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَجَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الرَّمَادِ يَتَمَعَّكُ فِيهِ مُتَذَلِّلا مُتَضَرِّعًا يَبْكِي وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَقُولُ: يَا رَبِّ! مَا هَذَا بَلاؤُكَ عِنْدَ آلِ دَاوُدَ أَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَكَ وَأَنْ يُقِرُّوا فِي دَارِهِمْ وَأَهْلِهِمْ عِبَادَةَ غَيْرِكَ؟!. فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَمْسَى. ثُمَّ رَجَعَ وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ سَمَّاهَا الأَمِينَةَ. وَكَانَ إِذَا أَتَى الْخَلاءَ أَوْ أَرَادَ إِتْيَانَ امْرَأَةٍ وَضَعَ خَاتَمَهُ عِنْدَهَا وَكَانَ لا يَمَسُّهُ إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مُلْكَهُ فِي خَاتَمِهِ.

اسم الکتاب : التوابين المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 20
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست