responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوابين المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 111
ثم أخرج ساعدا كأنه قضيب فضة مستديرة شحما ولحما فقال: إن هذا الساعد مع هذا البدن ربي بالأطعمة والأشربة التي وصفت لكم من الطعام والشراب ليبلى في التراب كما يبلى ساعد الحمال.
ثم أرسل عينيه فبكى فأكثر البكاء ونحن قيام على رأسه.
ثم قال: يا غلام! ارفع هذه الآلة قبحها الله فما أموتها للقلوب وأضرها وأذلها فرفعت وصرف الندماء والخدم والغلمان.
وبقي وحده متفكرا لا يأذن لأحد عليه حتى إذا مضى بعض الليل ناداني: يا شاكر! قلت: لبيك أيها الأمير! قال: دونك الخزائن فاحفظها مع جميع ما في الدار فإني منطلق إلى سيدي - وأنا أظن أنه يعني بسيده أباه -. فخرج علي وعليه إزار قد أخذه على رأسه ونعل طاق قد وضعها في رجله وقال: لا يتبعني منكم أحد بشمع فخرج ومعه غلام صغير وتخلف عنه الخدم والغلمان.
فلما أصبحنا افتقدنا الغلام إلى ارتفاع النهار فجاء الغلام فسألته عنه فقال: لم يدخل دار أمير المؤمنين ولكنه أخذ نحو الدجلة وقال لي: قف موضعك هذا لا تبرح فلا أدري أين ذهب إلا أنه دنا من ملاح فناوله دنانير وقال: لي حاجة مهمة بواسط فتعجل بي وهو لا يعرفه فأدخله الزورق ومضى به إلى "واسط".
ثم لم يقم بـ "واسط" حتى خرج إلى البصرة وتنكر ولبس الخشن على ذلك الجلد النقي واشترى طبقا كهيئة ما رأى من زي الحمال وجعل الطبق على عاتقه يعمل على مقدار قوته يحمل على رأسه بالقطع والكسر لا يرد ما أعطى بالنهار صائم يحمل على رأسه وبالليل قائم يصلي يمشي حافيا حتى تقطعت رجلاه يبيت في المساجد يتخللها كي لا يفطن به.
فلم يزل كذلك يعمل ويعبد ربه سنين.
وأمير المؤمنين لما وقف على أمره كتب في جميع الآفاق إلى العمال في كل بلدة أن يطلب وتوضع عليه العيون فلم يوقف على أمره.
قال: فمرض في بعض المساجد وتغيرت حاله فلما اشتدت به العلة دخل بعض الخانات بالبصرة فاكترى غرفة وألقى نفسه على بارية فلما أيس من نفسه دعا صاحب الخان فناوله خاتمه ورقعة مختومة فقال: يا هذا! إذا أنا قضيت نحبي فاخرج إلى صاحبكم - يعني الوالي - فأره خاتمي وعرفه موضعي وناوله هذه الرقعة. فمات - رحمه الله - فلما قضى سجاه وخرج نحو باب الأمير فنادى:

اسم الکتاب : التوابين المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 111
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست