responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوابين المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 104
الأَبَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَطْرُدُ بِكَ إِلَى بَابِ الرَّبِّ نَائِمًا وَيَقْظَانَ وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْصَرِفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَيَكُونُ آخِرُ الْعَهْدِ وَمُنْقَطَعُ الرَّجَاءِ.
قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلادَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: خَلَعْتَ قَلْبِي بِكِتَابِكَ لا وَلَيْتُ لَكَ وِلايَةً حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ.
فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ لَهُ: زِدْنِي - رَحِمَكَ اللَّهُ -.
قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: أَمِّرْنِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ النَّبِيِّ نَفْسٌ تُنَجِّيهَا خَيْرٌ مِنْ إِمَارَةٍ لا تُحْصِيهَا إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا تتأمرن على أحد فافعل". [البخاري 4148, مسلم 1826]
قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ لَهُ: زِدْنِي - رَحِمَكَ اللَّهُ -.
قَالَ: يَا حَسَنَ الْوَجْهِ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللَّهُ عَنْ هَذَا الْخَلْقِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَافْعَلْ وَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِي وَفِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَصْبَحَ لَهُمْ غَاشًّا لم يرح رائحة الجنة". [البخاري 7151, مسلم 142, أحمد 5/25] .
فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكَ دَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ دَيْنٌ لِرَبِّي لَمْ يُحَاسِبْنِي عَلَيْهِ فَالْوَيْلُ لِي إِنْ سَاءَلَنِي وَالْوَيْلُ لِي إِنْ نَاقَشَنِي وَالْوَيْلُ لِي إِنْ لَمْ أُلْهَمْ حُجَّتِي.
قَالَ: فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنْ دَيْنِ الْعِبَادِ.
قَالَ: إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُصَدِّقَ وَعْدَهُ وَأُطِيعَ أَمْرَهُ فَقَالَ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} الذاريات: 56 – 58] .
فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ أَلْفُ دِينَارٍ خُذْهَا فَأَنْفِقْهَا وَتَقَوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى النَّجَاةِ وَأَنْتَ تُكَافِينِي بِمِثْلِ هَذَا؟ - سَلَّمَكَ اللَّهُ وَوَفَّقَكَ - ثُمَّ صَمَتَ فَلَمْ يُكَلِّمْنَا.
فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا أَنْ صِرْنَا عَلَى الْبَابِ قَالَ لِي هَارُونُ: يَا عَبَّاسِيُّ! إِذَا دَلَلْتَنِي عَلَى رَجُلٍ فَدُلَّنِي عَلَى مِثْلَ هَذَا هَذَا سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ.
قَالَ غَيْرُ أَبِي عُمَرَ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: يَا هَذَا قَدْ تَرَى سُوءَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ فَلَوْ قَبِلْتَ هَذَا الْمَالَ تَفَرَّجْنَا بِهِ؟! قَالَ: مِثْلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانَ لَهُمْ بَعِيرٌ يَأْكُلُونَ مِنْ كَسْبِهِ فَلَمَّا كَبِرَ نَحَرُوهُ وَأَكَلُوا لَحْمَهُ.

اسم الکتاب : التوابين المؤلف : ابن قدامة المقدسي    الجزء : 1  صفحة : 104
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست