responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التبصرة المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 220
قَلِيلَ الصَّبْرِ
يَا عَدِيمَ الْوِفَاقِ , يَا مَنْ سيبكي كثيراً إِذَا انْتَبَهَ وَفَاقَ , وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. أَيْنَ مَنْ أَنِسَ بِالدُّنْيَا وَنَسِيَ الزَّوَالَ , أَيْنَ مَنْ عَمَّرَ الْقُصُورَ وَجَمَعَ الْمَالَ , تَقَلَّبَتْ بِالْقَوْمِ أَحْوَالُ الأَهْوَالِ , كَمْ أَرَاكَ عِبْرَةً وَقَدْ قَالَ {سَنُرِيهِمْ آياتنا في الآفاق} .
أَيْنَ صَدِيقُكَ الْمُؤَانِسُ , أَيْنَ رَفِيقُكَ الْمُجَالِسُ , أَيْنَ الْمَاشِي فَقِيرًا وَأَيْنَ الْفَارِسُ , امْتَدَّتْ إِلَى الْكُلِّ كَفُّ الْمَخَالِسِ , فَنَزَلُوا تَحْتَ الأَطْبَاقِ.
وَكَأَنْ قَدْ رحلت كما رحلوا , ونزلت وشيكاً حيث نَزَلُوا , وَحُمِلْتَ إِلَى الْقَبْرِ كَمَا حُمِلُوا , إِلَى ربك يومئذ المساق.
مَنْ لَكَ إِذَا أَلَمَّ الأَلَمُ , وَسَكَتَ الصَّوْتُ وَتَمَكَّنَ النَّدَمُ , وَوَقَعَ بِكَ الْفَوْتُ , وَأَقْبَلَ لأَخْذِ الرُّوحِ مَلَكُ الْمَوْتِ , وَجَاءَتْ جُنُودُهُ وَقِيلَ مَنْ راق.
وَنَزَلْتَ مَنْزِلا لَيْسَ بِمَسْكُونٍ , وَتَعَوَّضْتَ بَعْدَ الْحَرَكَاتِ السُّكُونَ , فَيَا أَسَفَا لَكَ كَيْفَ تَكُونُ , وَأَهْوَالُ القبر لا تطاق , وفرق مالك وسكنت الدار , وَدَارُ الْبَلاءِ فَمَا دَارٌ إِذْ دَارَ , وَشَغَلَكَ الْوِزْرُ عَمَّنْ هَجَرَ وَزَارَ , وَلَمْ يَنْفَعْكَ نَدَمُ الرِّفَاقِ.
أَمَا أَكْثَرُ عُمْرِكَ قَدْ مَضَى , أَمَا أَعْظَمُ زَمَانِكَ قَدِ انْقَضَى , أَفِي أَفْعَالِكَ مَا يَصْلُحُ لِلرِّضَا , إِذَا الْتَقَيْنَا يَوْمَ التَّلاقِ , يَا سَاعِيًا فِي هَوَاهِ تَصَوَّرْ رَمْسَكَ , يَا مُوسِعًا إِلَى خُطَاهُ تَذَكَّرْ حَبْسَكَ , يَا مَأْسُورًا فِي سِجْنِ الشَّهَوَاتِ خَلِّصْ نَفْسَكَ قَبْلَ أَنْ تَعِزَّ السلامة وتعتاق الأَعْنَاقُ , وَيُنْصَبَ الصِّرَاطُ وَيُوضَعَ الْمِيزَانُ , وَيُنْشَرَ الْكِتَابُ يَحْوِي مَا قَدْ كَانَ , وَيَشْهَدَ الْجِلْدُ وَالْمِلْكُ وَالْمَكَانُ , وَالنَّارُ الْحَبْسُ وَالْحَاكِمُ الْخَلاقُ , فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الْمَوْلُودُ , وَتَخْرَسُ الأَلْسُنُ وَتَنْطِقُ الْجُلُودُ , وَتَظْهَرُ الْوُجُوهُ بَيْنَ بِيضٍ وَسُودٍ , يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ. فَبَادِرْ قَبْلَ أَنْ لا يُمْكِنَ , وَحَاذِرْ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ الْمُمْكِنُ , وَأَحْسِنْ قَبْلَ أَنْ لا تُحْسِنَ , فَالْيَوْمُ الْبُرْهَانُ وَغَدًا السِّبَاقُ.
فَانْتَهِبْ عُمْرًا يَفْنَى بِالْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ , وَعَامِلْ مَوْلَى يُجْزِلُ الْعَطَايَا والأرباح , ولا تبخل فقد حدث عَلَى السَّمَاحِ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله باق} .

اسم الکتاب : التبصرة المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 220
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست