responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التبصرة المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 183
فَبَقِيَ مَسْجُونًا إِلَى حِينِ مَنَامِ الْمَلَكِ , فَلَمَّا أَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ مِصْرَ , فَجَمَعَ الأَقْوَاتَ فِي زَمَنِ الرَّخَاءِ وَبَاعَ فِي زَمَنِ الْقَحْطِ , فَرُوِيَ أَنَّهُ بَاعَ مَكُّوكَ بُرٍّ بِمَكُّوكِ دُرٍّ , وَبَاعَ أَهْلُ مِصْرَ بِأَمْوَالِهِمْ وَحُلِيِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَعَقَارِهِمْ وَعَبِيدِهِمْ , ثُمَّ بِأَوْلادِهِمْ ثُمَّ بِرِقَابِهِمْ , ثم قال: إني قد أعتقهم وَرَدَدْتُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.
وَكَانَ يُوُسفُ عَلَيْهِ السَّلامُ لا يَشْبَعُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَيَقُولُ: أَخَافُ أَنْ أَنْسَى الْجَائِعَ! وَبَلَغَ الْقَحْطُ إِلَى كَنْعَانَ فَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ وَلَدَهُ لِلْمِيرَةِ , وَقَالَ: يَا بَنِيَّ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بِمِصْرَ مَلِكًا صَالِحًا فَانْطَلِقُوا إِلَيْهِ فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلامَ. فَمَضَوْا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ , فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُمْ؟ فَقَالُوا: مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ , وَلَنَا شَيْخٌ يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ , وَهُو يُقْرِئُكَ السَّلامَ. فَبَكَى وَعَصَرَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: لَعَلَّكُمْ جَوَاسِيسُ. فَقَالُوا: لا وَاللَّهِ. قَالَ: فَكَمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: أَحَدَ عَشَرَ , وَكُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ , فَأَكَلَ أَحَدَنَا الذِّئْبُ. فَقَالَ ائْتُونِي بِأَخِيكُمُ الَّذِي مِنْ أَبِيكُمْ. ثُمَّ دَرَجَ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ. فَعَادُوا إِلَى أَبِيهِمْ , فَقَالُوا: إِنَّا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ. فَقَالَ يَعْقُوبُ: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ على أخيه من قبل؟! ثم حمله احتياجه إلى الطَّعَامَ إِلَى أَنْ أَرْسَلَهُ مَعَهُمْ.
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ أَجْلَسَ كُلَّ اثْنَيْنِ عَلَى مَائِدَةٍ , فَبَقِيَ بِنْيَامِينُ وَحِيدًا يَبْكِي , وَقَالَ: لَوْ كَانَ أَخِي حَيًّا لأَجْلَسَنِي مَعَهُ! فَضَمَّهُ يُوسُفُ إِلَيْهِ وَقَالَ: أُتُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَخَاكَ؟ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ وَمَنْ يَجِدُ أَخًا مِثْلَكَ , وَلَكِنْ لَمْ يَلِدْكَ يَعْقُوبُ وَلا رَاحِيلُ. فَبَكَى يُوسُفُ وَقَامَ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ وَقَالَ أَنَا أَخُوكَ. ثُمَّ احْتَالَ عَلَيْهِ فَوَضَعَ الصَّاعَ فِي رَحْلِهِ , فَلَمَّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى خَلاصِهِ أَقَامَ يَهُوذَا وَرَجَعُوا إِلَى يعقوب يقولون إن ابنك سرق. فَتَلَقَّاهُمْ بِصَبْرٍ جَمِيلٍ وَانْفَرَدَ بِحُزْنِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ: مَا فَارَقَهُ الْحُزْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً , وَمَا جَفَّتْ عَيْنَاهُ , وَمَا أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ.
ثُمَّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَقِيَ يَعْقُوبَ فَسَأَلَهُ: هَلْ قَبَضْتَ رُوحَ يُوسُفَ؟ قَالَ: لا.

اسم الکتاب : التبصرة المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 183
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست