responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التبصرة المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 134
ثُمَّ وَلَّتْ عَنِّي وَتَرَكَتْنِي.
إِخْوَانِي: مِنَ النُّفُوسِ نُفُوسٌ خُلِقَتْ طَاهِرَةً , وَنُفُوسٌ خُلِقَتْ كَدِرَةً. وَإِنَّمَا تَصْلُحُ الرِّيَاضَةُ فِي نَجِيبٍ. الْجُلُودُ الطَّاهِرَةُ إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ يُطَهِّرُهَا الدِّبَاغُ لأَنَّ الأَصْلَ طَاهِرٌ , بِخِلافِ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ!
لِلنُّفُوسِ الْخَيِّرَةِ عَلامَاتٌ: الْجِدُّ فِي الْغَالِبِ , وَالْحَذَرُ مِنَ الزَّلَلِ , وَالاحْتِقَارُ لِلْعَمَلِ , وَالْقَلَقُ مِنْ خَوْفِ السَّابِقَةِ , وَالْجَزَعُ مِنْ حذر الخاتمة , فترى أحدهم يستغيث استغاثة الفريق , وَيَلْجَأُ لَجْأَ الأَسِيرِ , الذُّلُّ لِبَاسُهُ وَسَهَرُ اللَّيْلِ فِرَاشُهُ , وَذِكْرُ الْمَوْتِ حَدِيثُهُ , وَالْبُكَاءُ دَأْبُهُ.
بَاتَ عُتْبَةُ الْغُلامُ لَيْلَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ , فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ تُعَذِّبْنِي فَإِنِّي لَكَ مُحِبٌّ , وَإِنْ تَرْحَمْنِي فَإِنِّي لَكَ مُحِبٌّ. فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا وَيَبْكِي إِلَى الصَّبَاحِ.
وَكَانَ عَابِدٌ يَقُولُ: يَا إِخْوَتَاهُ ابْكُوا عَلَى خَوْفِ فَوَاتِ الآخِرَةِ حَيْثُ لا رَجْعَةٌ وَلا حِيلَةٌ. لَمَّا أَسَرَ النَّوْمُ سَارَ الْقَوْمُ , فَقَطِّعْ نَفْسَكَ بِاللَّوْمِ الْيَوْمَ:
(يَا مُقْلَةً رَاقِدَةً ... لَمْ تَدْرِ بِالسَّاهِدَةْ)
(كَأَنَّهَا سَهِرَتْ ... نُجُومُهَا الرَّاكِدَةْ)
(بَدَا سُهَيْلٌ لَهَا ... فَانْحَرَفَتْ عَائِدَةْ)
(كَأَنَّهُ دِرْهَمٌ ... رَمَتْ بِهِ النَّاقِدَةْ)
(يَا نَفْسُ لا تجزعي ... قد تجد الْفَاقِدَةْ)
(أَيُّ الْوَرَى خَالِدٌ ... أَنْفُسُهُمْ وَاحِدَةْ)
(وَالْمَوْتُ حَوْضٌ لَهَا ... وَهْيَ لَهُ وَارِدَةْ)
(حَائِدَةٌ جَهْدَهَا ... إِنْ سَلِمَتْ حَائِدَةْ)
(فِي كُلِّ فَجٍّ لَهَا ... مَنِيَّةٌ رَاصِدَةْ)
(تَفِرُّ مِنْ حَتْفِهَا ... وَهِيَ لَهُ قَاصِدَةْ)
(لا تُخْدَعَنَّ بِالْمُنَى ... قَدْ تَكْذِبُ الرَّائِدَةْ)
(هَانَ عَلَى مَيِّتٍ ... مَا تَجِدُ الْوَاجِدَةْ)

اسم الکتاب : التبصرة المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 134
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست