responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البر والصلة المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 189
أَجْوَدُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: كُلُّ الْعَرَبِ أَجْوَدُ مِنِّي، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ، قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى غُلَامٍ مِنَ الْعَرَبِ يَتِيمٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَكَانَ لَهُ مِائَةٌ مِنَ الْغَنَمِ، فَذَبَحَ لِي مِنْهَا شَاةً، فَأَتَانِي بِهَا، فَلَمَّا قَرَّبَ إِلَيَّ دِمَاغَهَا، قُلْتُ: مَا أَطْيَبَ هَذَا الدِّمَاغَ! قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَأْتِينِي مِنْهُ، حَتَّى قُلْتُ: قَدِ اكْتَفَيْتُ.
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ إِذَا هُوَ قَدْ ذَبَحَ الْمِائَةَ شَاةٍ، وَبَقِيَ لَا شَيْءَ لَهُ! فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا صَنَعْتَ بِهِ، فَقَالَ: وَمَتَى أَبْلُغُ شُكْرَهُ وَلَوْ صَنَعْتُ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ؟ أَعْطَيْتُهُ مِائَةً مِنْ خِيَارِ إِبِلِي " وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ السِّمْنَانِيُّ، قَالَ: نَزَلْتُ بِقَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْهُمْ: أَيُّهَا الْقَاضِي، أَمَا تَرَى هَذَا الدَّوَّارَ، وَهَذِهِ الْبُيُوتَ، وَهَذِهِ الرِّجَالَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّهُمْ أَوْلَادِي، وَأَوْلَادُ أَوْلَادِي، كُنْتُ حَدَثًا فَحَجَجْتُ، فَاجْتَزْنَا بِقَوْمٍ مِنْ طَيِّئٍ عَلَيْهِمْ آثَارُ الْفَقْرِ، فَنَزَلْنَا قَرِبيًا مِنْهُمْ لِئَلَّا نَجْحِفَ بِهِمْ، وَكَانَ مِمَّا يَلِينَا بَيْتٌ شَعِثٌ، فَإِذَا قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ عَلَيْهَا أَسْمَالٌ وَعَقَرَتْ لَنَا نَاقَةً، وَقَالَتْ: يَا عَشِيرَةُ، وَاللَّهِ مَا ادَّخَرْتُ عَنْكُمْ مُمْكِنًا وَظَاهِرُ الْحَالِ يُخْبِرُكُمْ بِصِدْقِي، فَكُلُوا وَاعْذُرُونَا، فَأَنْكَرْتُ مَا فَعَلَتْ، وَتَوَجَعْنَا لَهَا.
فَقَالَتْ: أَنَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مَعَ وَالِدَةٍ لِي، وَقَدْ ذَهَبَ رِجَالِي وَرَزَحَتْ حَالِي، فَأَكَلْنَا مِنْ طَعَامِهَا، وَسَأَلْنَا عَنْهَا، فَقِيلَ لَنَا: هِيَ مِنْ خِيَارِ قَوْمِهَا، وَهِيَ فَقِيرَةٌ وَحِيدَةٌ، وَإِنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ غَيْرَ هَذِهِ النَّاقَةَ، وَتَعِيشُ بِلَبَنِهَا وَأُخْرَى تَحْمِلُ عَلَيْهَا.
فَاغْتَنَمْنَا لِمَا فَعَلَتْ وَجَمَعْنَا بَيْنَنَا شَيْئًا، وَدَفَعْنَاهُ إِلَيْهَا، فَبَكَتْ، وَقَالَتْ: مَا أَحْسَنْتُمُ الصُّحْبَةَ! سِمْتُمُونِي آخُذُ الْجَزَاءَ عَنِ الْقِرَى؟ فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ لَكِ فِي بَعْلٍ، فَقَالَتْ: إِنَّكَ لَكُفْؤٌ كَرِيمٌ، غَيْرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ عَنِّي أَنَّ ضَيْفًا نَزَلَ بِي فَتَزَوَّجَنِي، فَإِنْ خَطَبْتَ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدُ مِنْ عَشِيرَتِي رَغِبْتُ فِيكَ.
فَحَجَجْتُ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى شَيْخِ الْقَوْمِ فَخَطَبْتُهَا، فَبَعَثَ، فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: أَنْتُمْ أَوْلَى بِأَمْرِي.
فَعَقَدْتُ عَلَيْهَا وَحَمَلْتُهَا، ثُمَّ جَدَّدْتُ الْعَقْدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَحَمَلَتْ بِهَذَا الْغُلَامِ، وَفِي الْعَامِ الثَّانِي بِهَذَا، وَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى عَدَّ عَشْرَةَ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ لَهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعَةٌ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَأَقَلُّهُمْ ثَلَاثَةُ

اسم الکتاب : البر والصلة المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 189
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست