responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الآداب الشرعية والمنح المرعية المؤلف : ابن مفلح، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 279
[فَصْلٌ الطَّعْنُ عَلَى الْعُلَمَاءِ]
(فَصْلٌ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَخْطُرُ بِقُلُوبِ الْعُلَمَاءِ نَوْعُ يَقَظَةٍ، فَإِذَا نَطَقُوا بِهَا وَبِحُكْمِهَا نَفَرَتْ مِنْهَا قُلُوبُ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا أَقُولُ الْعَوَامُّ، وَمَثَّلَ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْت يَقِينًا. وَأَنَّ رَجُلًا لَوْ صَحَا، فَقَالَ كَلِمَةً ظَاهِرُهَا يُوجِبُ عِنْدَ الْعَوَامّ الْكُفْرَ فَقَالَ: لَسْتُ أَجِدُ لِلرَّقِيبِ، وَالْعَتِيدِ حِشْمَةً وَلَا هَيْبَةً حَتَّى لَوْ اُسْتُفْتِيَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَقَالُوا كَافِرٌ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ مُصَدِّقًا بِهِمَا، وَهُوَ يُهَوِّنُ بِحَفَظَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ، فَكَشَفَ عَنْ سِرِّ وَاقِعِهِ لَاسْتَحْيَا مِنْ جَهْلِهِ، أَوْ كُفْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ، وَكَشْفُ السِّرِّ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: غَلَبَتْ عَلَيَّ هَيْبَةُ رَبِّي وَحِشْمَةُ مَنْ يَشْهَدُنِي فَسَقَطَ مِنْ عَيْنَيَّ حِشْمَةُ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيَّ، وَكُنْت أَجِدُ الْحِشْمَةَ لَهُمَا الْغَفْلَةُ عَقِبَهَا صَحْوٌ، وَمُوجِبُ الْيَقَظَةِ وَالصَّحْوِ وَزَوَالِ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ السَّمْعُ {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} [فصلت: 53] {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة: 85] وَالْعَقْلُ، فَإِنَّ مَنْ شَهِدَ الْحَقَّ كَانَ كَمَنْ شَهِدَ الْمَلِكَ، وَمَعَهُ أَصْحَابُ أَخْبَارِهِ فَلَا يَبْقَى لِأَصْحَابِهِ حُكْمٌ فِي قَلْبِ مَنْ شَهِدَ الْمَلِكَ، وَإِلَّا لَكَانَ وَهْنًا فِي مَعْرِفَتِهِ بِحُكْمِ الْمَلِك وَسُلْطَانِهِ.
فَاحْذَرْ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الطَّعْنِ عَلَى الْعُلَمَاءِ مَعَ عَدَمِ بُلُوغِك إلَى مَقَامَاتِهِمْ، وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ حَتَّى أَنَّهُمْ فِي حَالٍ كَشَخْصٍ، وَفِي حَالٍ آخَرَ كَشَخْصٍ آخَرَ، فَإِنَّ لِلْعَبْدِ عِنْدَ كَشْفِ الْحَقِّ مَحْوًا عَنْ نَفْسِهِ، وَالْعَالَمُ يَتَلَاشَى فِي عَيْنِهِ، وَلِهَذَا قَالَتْ الْمُتَصَوِّفَةُ لِلصِّغَارِ: يُسَلَّمُ لِلْمَشَايِخِ الْكِبَارِ حَالُهُمْ، وَكَلَامُهُمْ سُمٌّ قَاتِلٌ لَهُمْ أَوَّلَا، ثُمَّ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ مَا تَحْتَ كَلَامِهِمْ، وَالْقَاتِلُ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا، وَالْمَقْتُولُ شَهِيدًا، أَمَّا الْمُنْكِرُ فَإِنَّهُ جَارٍ عَلَى الظَّاهِرِ. وَأَمَّا الْقَائِلُ فَقَالَ بِحُكْمِ حَالٍ كُشِفَتْ لَهُ خَاصَّةً وَحُجِبَ عَنْهَا السَّامِعُ، وَمِنْ هُنَا " كَلِّمُوا النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ ". فَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْخَلْقَ لَا يَسْتَوُونَ فِي الْمَقَالِ، وَلَا فِي الْأَحْوَال لَا يَعْقِدُ الظُّنُونَ بِبَادِرَةِ الْوَاقِعِ، فَيَقَعُ نَاقِصًا.

اسم الکتاب : الآداب الشرعية والمنح المرعية المؤلف : ابن مفلح، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 279
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست