responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الآداب الشرعية والمنح المرعية المؤلف : ابن مفلح، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 217
تَمَنَّيْت أَنْ تُمْسِي فَقِيهًا مُنَاظِرًا ... بِغَيْرِ عَنَاءٍ وَالْجُنُونُ فُنُونُ
وَلَيْسَ اكْتِسَابُ الْمَالِ دُونَ مَشَقَّةٍ ... تَلَقَّيْتهَا فَالْعِلْمُ كَيْفَ يَكُونُ
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَا يَتَنَاهَى فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا عَاشِقٌ، وَالْعَاشِقُ يَنْبَغِي أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَكَارِهِ. وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمُتَشَاغِلِ بِهِ الْبُعْدُ عَنْ الْكَسْبِ، وَقَدْ فُقِدَ التَّفَقُّدُ لَهُمْ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَمِنْ الْإِخْوَانِ، وَلَازَمَهُمْ الْفَقْرُ، وَالْفَضَائِلُ يُنَادَى عَلَيْهَا:
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11] فَلَمَّا أَجَابَتْ مَرَارَةُ الِابْتِلَاءِ قَالَتْ:
لَا تَحْسَبْ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ ... لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا
ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَشَأْنِهِ وَقَالَ: فَمَا شَاعَ لَهُ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ جُزَافًا، وَلَا تَرَدَّدَتْ الْأَقْدَامُ إلَى قَبْرِهِ إلَّا لِمَعْنًى عَجِيبٍ، فَيَا لَهُ ثَنَاءً مَلَأَ الْآفَاقَ وَجَمَالًا زَيَّنَ الْوُجُودَ، وَعِزًّا نَسَخَ كُلَّ ذُلٍّ، هَذَا فِي الْعَاجِلِ، وَثَوَابُ الْآجِلِ لَا يُوصَفُ، وَتَلْمَحُ قُبُورَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لَا تُعْرَفُ وَلَا تُزَارُ، تَرَخَّصُوا وَتَأَوَّلُوا وَخَالَطُوا السَّلَاطِينَ فَذَهَبَتْ بَرَكَةُ الْعِلْمِ وَمُحِيَ الْجَاهُ، وَوَرَدُوا عِنْدَ الْمَوْتِ حِيَاضَ النَّدَمِ، فَيَالَهَا حَسَرَاتٍ لَا تَتَلَافَى، وَخُسْرَانًا لَا يَنْجَبِرُ، كَانَتْ صُحْبَةُ اللَّذَّاتِ كَطَرْفَةِ عَيْنٍ، وَلَازَمَ الْأَسَفُ دَائِمًا. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ:
يَا نَفْسُ مَا هُوَ إلَّا صَبْرُ أَيَّامِ ... كَأَنَّ مُدَّتَهَا أَضْغَاثُ أَحْلَامِ
يَا نَفْسُ جُوزِي عَنْ الدُّنْيَا مُبَادِرَةً ... وَخَلِّ عَنْهَا فَإِنَّ الْعَيْشَ قُدَّامِي
ثُمَّ أَيُّهَا الْعَالِمُ الْفَقِيرُ أَيَسُرُّك مُلْكُ سُلْطَانٍ مِنْ السَّلَاطِينِ، وَأَنَّ مَا تَعْلَمُهُ مِنْ الْعِلْمِ لَا تَعْلَمُهُ؟ كَلًّا مَا أَظُنُّ الْمُتَيَقِّظَ يُؤْثِرُ هَذَا، ثُمَّ أَنْتَ إذَا وَقَعَ لَك خَاطِرٌ مُسْتَحْسَنٌ، أَوْ مَعْنًى عَجِيبٌ تَجِدُ لَذَّةً لَا يَجِدُهَا مُلْتَذٌّ بِاللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ، فَقَدْ حُرِمَ مِنْ رِزْقِ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ مَا قَدْ رُزِقْت. وَقَدْ شَارَكْتَهُمْ فِي قِوَامِ الْعَيْشِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْفُضُولُ الَّتِي إذَا حُذِفَتْ لَمْ تَكَدْ تَضُرُّ، ثُمَّ هِيَ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ فِي

اسم الکتاب : الآداب الشرعية والمنح المرعية المؤلف : ابن مفلح، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 217
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست