اسم الکتاب : أدب الطلب ومنتهى الأدب المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 109
فَبعد هَذَا كُله قد قَامَ بِمَا أوجب الله عَلَيْهِ وَأَرَادَ مَا طلبه الله مِنْهُ من الْهِدَايَة ووفي بِمَا أَخذ عَلَيْهِ من الْعَهْد وامتثل مَا ألزنه بِهِ من الْبَيَان وَصَارَ بذلك من الْعلمَاء العاملين القائمين بنشر حجج الله وإبلاغ شرائعه
وَهَذَا فَرْضه لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره وَلَا يجب على من سواهُ فَهُوَ لم يكتم مَا علمه الله وَلَا خَان عهد الله وَلَا خَالف أمره وَلَا اشْترى بِهِ ثمنا قَلِيلا وَلَا بَاعه بِعرْض من أَعْرَاض الدُّنْيَا فَلهُ أجر من مكنه الله من ذَلِك وخلى بَينه وَبَينه لِأَنَّهُ قد قَامَ فِي الْمقَام الَّذِي افترضه الله عَلَيْهِ وسلك الطَّرِيقَة الَّتِي أمره بسلوكها فحال بَينه وَبَينه من لَا يُطيق دَفعه وَلَا يقدر على مناهضته فَكَانَ ذَلِك قَائِم بِعُذْرِهِ مسْقطًا لفرضه مُوجبا لاستحقاقه لثواب مَا قد عزم عَلَيْهِ وَأجر مَا أَرَادَهُ
فَأَي غنيمَة أجل من غنيمته ونعمة أكبر من نعْمَته وَأَيْنَ مَنْزِلَته عِنْد الله من منزلَة من فتح الله عَلَيْهِ من أَبْوَاب معارفه ولطائف شَرِيعَته بِمَا يفرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل وَيعرف بِهِ صَوَاب القَوْل من خطأه فكتم الْحجَّة وآثر على نشرها مَا يرجوه من استدرار خلف من أخلاف الدُّنْيَا ونيل جاه من الجاهات ورئاسة من الرئاسات ومعيشة من المعائش فَمضى عمره وَانْقَضَت حَيَاته كَاتِما للحجة مُخَالفا لأمر الله نابذا لعهده طارحا لما أَخذه عَلَيْهِ
وَأما الْجَواب الْمفصل فَاعْلَم أَنِّي لم أرد بِمَا أرشدت إِلَيْهِ فِي هَذَا الْكتاب مَا خطر ببالك وَلَا لوم عَليّ فقد كررت لَك مَا قصدته تكررا لَا يخفى على الفطن فَهَل طلبت من حَامِل الْحجَّة أَن يقوم بَين ظهراني النَّاس قَائِلا اجتنبوا كَذَا من الرَّأْي اتبعُوا كَذَا من الْكتاب وَالسّنة صَارِخًا بذلك فِي المحافل ناطقا بِهِ فِي الْمشَاهد مَعَ علمه بتراكم سحائب الْجَهْل وتلاطم أمواج بحار التعصب وإظلام أفق الْإِنْصَاف واكفهرارا وَجه الاسترشاد
فَإِن هَذَا وَإِن كَانَ مسْقطًا لما افترضه الله على من استخلصه من عباده لحمل حجَّته وإبلاغ شَرِيعَته لَكِن لكل عَالم قدوة بِأَنْبِيَاء الله وأسوة بِمن أرْسلهُ
اسم الکتاب : أدب الطلب ومنتهى الأدب المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 109