responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 83
ثُمَّ لِيَحْذَرْ اتِّبَاعَهُ فِيمَا يُجَانِبُ الدِّينَ وَيُضَادُّ الْحَقَّ مُوَافَقَةً لِرَأْيِهِ وَمُتَابَعَةً لِهَوَاهُ، فَرُبَّمَا زَلَّتْ أَقْدَامُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ رَغْبَةً أَوْ رَهْبَةً فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا مَعَ سُوءِ الْعَاقِبَةِ وَقُبْحِ الْآثَارِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ تَحْتَ يَدِ اللَّهِ وَفِي كَنَفِهِ مَا لَمْ يُمَارِ قُرَّاؤُهَا أُمَرَاءَهَا، وَلَمْ يُزْكِ صُلَحَاؤُهَا فُجَّارَهَا، وَلَمْ يُمَارِ أَخْيَارُهَا أَشْرَارَهَا. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ رَفَعَ عَنْهُمْ يَدَهُ ثُمَّ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ جَبَابِرَتَهُمْ فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، وَضَرَبَهُمْ بِالْفَاقَةِ وَالْفَقْرِ وَمَلَأَ قُلُوبَهُمْ رُعْبًا» .

وَمِنْ آدَابِهِمْ: نَزَاهَةُ النَّفْسِ عَنْ شُبَهِ الْمَكَاسِبِ، وَالْقَنَاعَةُ بِالْمَيْسُورِ عَنْ كَدِّ الْمَطَالِبِ. فَإِنَّ شُبْهَةَ الْمَكْسَبِ إثْمٌ وَكَدَّ الطَّلَبِ ذُلٌّ، وَالْأَجْرُ أَجْدَرُ بِهِ مِنْ الْإِثْمِ وَالْعِزُّ أَلْيَقُ بِهِ مِنْ الذُّلِّ.
وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
يَقُولُونَ لِي فِيك انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا ... رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمْ هَانَ عِنْدَهُمْ ... وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إنْ كَانَ كُلَّمَا ... بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمَا
وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لَاحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي ... وَلَا كُلُّ مَنْ لَاقَيْت أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
إذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْت قَدْ أَرَى ... وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
انْهَهَا عَنْ بَعْضِ مَا لَا يَشِينُهَا ... مَخَافَةَ أَقْوَالِ الْعِدَا فِيمَ أَوْ لِمَا
وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي ... لِأَخْدُمَ مَنْ لَاقَيْت لَكِنْ لِأُخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً ... إذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ ... وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا ... مُحَيَّاهُ بِالْأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ عِوَضٌ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ، وَمُغْنٍ عَنْ كُلِّ شَهْوَةٍ. وَمَنْ كَانَ صَادِقَ النِّيَّةِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ فِيمَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَنْ تَفَرَّدَ بِالْعِلْمِ لَمْ تُوحِشْهُ خَلْوَةٌ، وَمَنْ تَسَلَّى بِالْكُتُبِ لَمْ تَفُتْهُ سَلْوَةٌ. وَمَنْ آنَسَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، لَمْ تُوحِشْهُ مُفَارَقَةُ الْإِخْوَانِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا سَمِيرَ كَالْعِلْمِ، وَلَا ظَهِيرَ كَالْحِلْمِ.

وَمِنْ آدَابِهِمْ: أَنْ يَقْصِدُوا وَجْهَ اللَّهِ بِتَعْلِيمِ مَنْ عَلَّمُوا وَيَطْلُبُوا ثَوَابَهُ

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 83
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست