responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 321
أَمَرَتْهُ نَفْسٌ بِالدَّنَاءَةِ وَالْخَنَا ... وَنَهَتْهُ عَنْ سُبُلِ الْعُلَا فَأَطَاعَهَا
فَإِذَا أَصَابَ مِنْ الْمَكَارِمِ خَلَّةً ... يَبْنِي الْكَرِيمُ بِهَا الْمَكَارِمَ بَاعَهَا
وَاعْلَمْ أَنَّ حُقُوقَ الْمُرُوءَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَأَخْفَى مِنْ أَنْ تَظْهَرَ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا يَقُومُ فِي الْوَهْمِ حِسًّا، وَمِنْهَا مَا يَقْتَضِيهِ شَاهِدُ الْحَالِ حَدْسًا، وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ بِالْفِعْلِ وَيَخْفَى بِالتَّغَافُلِ. فَلِذَلِكَ أَعْوَزَ اسْتِيفَاءُ شُرُوطِهَا إلَى جُمَلٍ يَتَنَبَّهُ الْفَاضِلُ عَلَيْهَا بِيَقِظَتِهِ، وَيَسْتَدِلُّ الْعَاقِلُ عَلَيْهَا بِفِطْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُنَا هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْمُرُوءَةِ وَشُرُوطِهَا.

وَإِنَّمَا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَشْهَرَ مِنْ قَوَاعِدِهَا وَأُصُولِهَا، وَالْأَظْهَرَ مِنْ شُرُوطِهَا وَحُقُوقِهَا، مَحْصُورًا فِي تَقْسِيمٍ جَامِعٍ وَهُوَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: شُرُوطُ الْمُرُوءَةِ فِي نَفْسِهِ. وَالثَّانِي: شُرُوطُهَا فِي غَيْرِهِ.
فَأَمَّا شُرُوطُهَا فِي نَفْسِهِ بَعْدَ الْتِزَامِ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَحْكَامِهِ فَيَكُونُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ وَهِيَ: الْعِفَّةُ وَالنَّزَاهَةُ وَالصِّيَانَةُ. فَأَمَّا الْعِفَّةُ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا الْعِفَّةُ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالثَّانِي الْعِفَّةُ عَنْ الْمَآثِمِ. فَأَمَّا الْعِفَّةُ عَنْ الْمَحَارِمِ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا ضَبْطُ الْفَرْجِ عَنْ الْحَرَامِ، وَالثَّانِي كَفُّ اللِّسَانِ عَنْ الْأَعْرَاضِ.
فَأَمَّا ضَبْطُ الْفَرْجِ عَنْ الْحَرَامِ فَلِأَنَّهُ مَعَ وَعِيدِ الشَّرْعِ وَزَاجِرِ الْعَقْلِ مَعَرَّةٌ فَاضِحَةٌ، وَهَتْكَةٌ وَاضِحَةٌ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وُقِيَ شَرَّ ذَبْذَبِهِ وَلَقْلَقِهِ وَقَبْقَبِهِ فَقَدْ وُقِيَ» . يُرِيدُ بِذَبْذَبِهِ الْفَرْجَ، وَبِلَقْلَقِهِ اللِّسَانَ، وَبِقَبْقَبِهِ الْبَطْنَ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَحَبُّ الْعَفَافِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَفَافُ الْفَرْجِ وَالْبَطْنِ» .
وَحُكِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ عُمَرَ عَنْ الْمُرُوءَةِ فَقَالَ: تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَصِلَةُ الرَّحِمِ. وَسَأَلَ الْمُغِيرَةَ فَقَالَ: هِيَ الْعِفَّةُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحِرْفَةُ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى. وَسَأَلَ يَزِيدَ: فَقَالَ هِيَ الصَّبْرُ عَلَى الْبَلْوَى، وَالشُّكْرُ عَلَى النُّعْمَى، وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْتَ مِنِّي حَقًّا. وَقَالَ أَنُوشِرْوَانَ لِابْنِهِ هُرْمُزَ: مَنْ الْكَامِلُ الْمُرُوءَةِ؟ فَقَالَ: مَنْ حَصَّنَ دِينَهُ وَوَصَلَ رَحِمَهُ وَأَكْرَمَ إخْوَانَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَحَبَّ الْمَكَارِمَ اجْتَنَبَ الْمَحَارِمَ. وَقِيلَ: عَارُ الْفَضِيحَةِ يُكَدِّرُ لَذَّتَهَا.
وَقَدْ أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -:
الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ ... وَالْعَارُ خَيْرٌ مِنْ دُخُولِ النَّارِ
وَاَللَّهُ مِنْ هَذَا وَهَذَا جَارِي

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 321
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست