responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 316
وَاطِّرَاحُهَا مِنْ إمَارَاتِ الْإِقْبَالِ. فَيَنْبَغِي لِمَنْ مُنِيَ بِهَا وَبُلِيَ أَنْ يَصْرِفَ عَنْ نَفْسِهِ وَسَاوِسَ النَّوْكَى وَدَوَاعِيَ الْخَيْبَةِ وَذَرَائِعَ الْحِرْمَانِ، وَلَا يَجْعَلَ لِلشَّيْطَانِ سُلْطَانًا فِي نَقْضِ عَزَائِمِهِ وَمُعَارَضَةِ خَالِقِهِ. وَيَعْلَمَ أَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ غَالِبٌ، وَأَنَّ رِزْقَهُ لَهُ طَالِبٌ، إلَّا أَنَّ الْحَرَكَةَ سَبَبٌ فَلَا يُثْنِيهِ عَنْهَا مَا لَا يَضُرُّ مَخْلُوقًا وَلَا يَدْفَعُ مَقْدُورًا. وَلْيَمْضِ فِي عَزَائِمِهِ وَاثِقًا بِاَللَّهِ تَعَالَى إنْ أُعْطِيَ وَرَاضِيًا بِهِ إنْ مُنِعَ.
فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي الْإِنْسَانِ ثَلَاثَةً: الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ فَمَخْرَجُهُ مِنْ الطِّيَرَةِ أَنْ لَا يَرْجِعَ وَمَخْرَجُهُ مِنْ الظَّنِّ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ وَمَخْرَجُهُ مِنْ الْحَسَدِ أَنْ لَا يَبْغِيَ» . وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كَفَّارَةُ الطِّيَرَةِ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» . وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْخَيْرُ فِي تَرْكِ الطِّيَرَةِ.
وَلْيَقُلْ إنْ عَارَضَهُ فِي الطِّيَرَةِ رَيْبٌ، أَوْ خَامَرَهُ فِيهَا وَهْمٌ، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَطَيَّرَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْخَيْرَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَزَلْنَا دَارًا فَكَثُرَ فِيهَا عَدَدُنَا، وَكَثُرَتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا، ثُمَّ تَحَوَّلْنَا عَنْهَا إلَى أُخْرَى فَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا، وَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَرُوهَا فَهِيَ ذَمِيمَةٌ» . وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ الطِّيَرَةِ وَلَكِنْ عَلَى طَرِيقِ التَّبَرُّكِ بِمَا فَارَقَ وَتَرْكِ مَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ إلَى مَا أَنِسَ بِهِ.
وَأَمَّا الْفَأْلُ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْعَزْمِ وَبَاعِثٌ عَلَى الْجِدِّ وَمَعُونَةٌ عَلَى الظَّفَرِ. فَقَدْ تَفَاءَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ وَحُرُوبِهِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ كَلِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَقَالَ: أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ» . فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَفَاءَلَ أَنْ يَتَأَوَّلَ الْفَأْلَ بِأَحْسَنِ تَأْوِيلَاتِهِ وَلَا يَجْعَلَ لِسُوءِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهِ سَبِيلًا. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْبَلَاءَ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ» . رُوِيَ أَنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَكَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى طُولَ الْحَبْسِ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ يَا يُوسُفُ أَنْتَ حَبَسْت نَفْسَك

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 316
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست