responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 285
أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ» فَخَارِجٌ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّلْبِيسِ. وَفِي تَأْوِيلِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ الْمُحْدَوْدِبِ، مَأْخُوذٌ مِنْ النَّبْوَةِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ الطَّرِيقَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ رُسُلُ اللَّهِ أَنْبِيَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ الطُّرُقُ إلَيْهِ. إنَّمَا زَالَ عَنْهُ التَّلْبِيسُ إذَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ تَلْبِيسًا شَنِيعًا؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ خِطَابِهِ وَشَوَاهِدَ أَحْوَالِهِ يَصْرِفَانِ كَلَامَهُ عَنْ التَّجَوُّزِ وَالِاسْتِرْسَالِ فِي أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ إلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ بِهِ شَرْعٌ وَيَنْهَى عَنْهُ نَبِيٌّ. وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ افْتَرَقَ وُجُودُهُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ.

وَمِنْ آدَابِهِ أَنْ يَجْتَنِبَ أَمْثَالَ الْعَامَّةِ الْغَوْغَاءِ وَيَتَخَصَّصَ بِأَمْثَالِ الْعُلَمَاءِ الْأُدَبَاءِ فَإِنَّ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ النَّاسِ أَمْثَالًا تُشَاكِلُهُمْ، فَلَا تَجِدْ لِسَاقِطٍ إلَّا مَثَلًا سَاقِطًا وَتَشْبِيهًا مُسْتَقْبَحًا. وَلِلسُّقَّاطِ أَمْثَالٌ فَمِنْهَا تَمَثُّلُهُمْ لِلشَّيْءِ الْمُرِيبِ، كَمَا قَالَ الصَّنَوْبَرِيُّ:
إذَا مَا كُنْتَ ذَا بَوْلٍ صَحِيحٍ ... أَلَا فَاضْرِبْ بِهِ وَجْهَ الطَّبِيبِ
وَلِذَلِكَ عِلَّتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْأَمْثَالَ مِنْ هَوَاجِسِ الْهِمَمِ وَخَطِرَاتِ النُّفُوسِ، وَلَمْ يَكُنْ لِذِي الْهِمَّةِ السَّاقِطَةِ إلَّا مَثَلٌ مَرْذُولٌ، وَتَشْبِيهٌ مَعْلُولٌ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَمْثَالَ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الْمُتَمَثِّلِينَ بِهَا، فَبِحَسَبِ مَا هُمْ عَلَيْهِ تَكُونُ أَمْثَالُهُمْ. فَلِهَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَمْثَالِ الْخَاصَّةِ وَأَمْثَالِ الْعَامَّةِ. وَرُبَّمَا أَلَّفَ الْمُتَخَصِّصُ مَثَلًا عَامِّيًّا أَوْ تَشْبِيهًا رَكِيكًا؛ لِكَثْرَةِ مَا يَطْرُقُ سَمْعَهُ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأَرَاذِلِ فَيَسْتَرْسِلُ فِي ضَرْبِهِ مَثَلًا فَيَصِيرُ بِهِ مَثَلًا، كَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الرَّشِيدَ سَأَلَهُ يَوْمًا عَنْ أَنْسَابِ بَعْضِ الْعَرَبِ فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ: أَسْقَطَ اللَّهُ جَنْبَيْك أَتَخَاطَبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ؟ فَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ، مَعَ قِلَّةِ عِلْمِهِ أَعْلَمَ بِمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْكَلَامِ فِي مُحَاوَرَةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ الْأَصْمَعِيِّ الَّذِي هُوَ وَاحِدُ عَصْرِهِ وَقَرِيعُ دَهْرِهِ.
وَلِلْأَمْثَالِ مِنْ الْكَلَامِ مَوْقِعٌ فِي الْأَسْمَاعِ وَتَأْثِيرٌ فِي الْقُلُوبِ لَا يَكَادُ الْكَلَامُ الْمُرْسَلُ يَبْلُغُ مَبْلَغَهَا، وَلَا يُؤَثِّرُ تَأْثِيرَهَا؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ بِهَا لَائِحَةٌ، وَالشَّوَاهِدَ بِهَا وَاضِحَةٌ، وَالنُّفُوسَ بِهَا وَامِقَةٌ، وَالْقُلُوبَ بِهَا

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 285
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست