responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 275
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ وَالصَّمْتِ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ تَرْجُمَانٌ يُعَبِّرُ عَنْ مُسْتَوْدَعَاتِ الضَّمَائِرِ، وَيُخْبِرُ بِمَكْنُونَاتِ السَّرَائِرِ، لَا يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعُ بَوَادِرِهِ، وَلَا يُقْدَرُ عَلَى رَدِّ شَوَارِدِهِ. فَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ زَلَلِهِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهُ أَوْ بِالْإِقْلَالِ مِنْهُ.
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَالَ خَيْرًا فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: «يَا مُعَاذُ أَنْتَ سَالِمٌ مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ فَعَلَيْك أَوْ لَك» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: اللِّسَانُ مِعْيَارٌ أَطَاشَهُ الْجَهْلُ وَأَرْجَحَهُ الْعَقْلُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْزَمْ الصَّمْتَ تُعَدُّ حَكِيمًا، جَاهِلًا كُنْتَ أَوْ عَالِمًا. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: سَعِدَ مَنْ لِسَانُهُ صَمُوتٌ، وَكَلَامُهُ قُوتٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مِنْ أَعْوَذِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْعَاقِلُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا لِحَاجَتِهِ أَوْ مَحَجَّتِهِ، وَلَا يُفَكِّرُ إلَّا فِي عَاقِبَتِهِ أَوْ فِي آخِرَتِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الْزَمْ الصَّمْتَ فَإِنَّهُ يُكْسِبُك صَفْوَ الْمَحَبَّةِ، وَيُؤْمِنُك سُوءَ الْمَغَبَّةِ، وَيُلْبِسُك ثَوْبَ الْوَقَارِ، وَيَكْفِيكَ مَئُونَةَ الِاعْتِذَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُصَحَاءِ: اعْقِلْ لِسَانَك إلَّا عَنْ حَقٍّ تُوَضِّحُهُ، أَوْ بَاطِلٍ تَدْحَضُهُ، أَوْ حِكْمَةٍ تَنْشُرُهَا، أَوْ نِعْمَةٍ تَذْكُرُهَا. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
رَأَيْتُ الْعِزَّ فِي أَدَبٍ وَعَقْلٍ ... وَفِي الْجَهْلِ الْمَذَلَّةُ وَالْهَوَانُ
وَمَا حُسْنُ الرِّجَالِ لَهُمْ بِحُسْنٍ ... إذَا لَمْ يُسْعِدْ الْحُسْنَ الْبَيَانُ
كَفَى بِالْمَرْءِ عَيْبًا أَنْ تَرَاهُ ... لَهُ وَجْهٌ وَلَيْسَ لَهُ لِسَانُ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْكَلَامِ شُرُوطًا لَا يَسْلَمُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ الزَّلَلِ إلَّا بِهَا، وَلَا يَعْرَى مِنْ النَّقْصِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:
فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ لِدَاعٍ يَدْعُو إلَيْهِ إمَّا فِي اجْتِلَابِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَتَوَخَّى بِهِ إصَابَةَ فُرْصَتِهِ.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ.
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَتَخَيَّرَ اللَّفْظَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ مَتَى أَخَلَّ الْمُتَكَلِّمُ بِشَرْطٍ مِنْهَا فَقَدْ أَوْهَنَ فَضِيلَةَ بَاقِيهَا. وَسَنَذْكُرُ تَعْلِيلَ كُلِّ شَرْطٍ مِنْهَا بِمَا يُنَبِّئُ عَنْ لُزُومِهِ.
فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الدَّاعِي إلَى الْكَلَامِ؛ فَلِأَنَّ مَا لَا دَاعِيَ لَهُ

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 275
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست