responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 238
بَلَّغَنِي قَتْلَ أَرْبَعَةٍ فَتَقَرَّبْتُ إلَيْهِ بِدِمَائِهِمْ: مُقَاتِلُ بْنُ مُسْمِعٍ وَلِي سِجِسْتَانَ فَأَتَاهُ النَّاسُ فَأَعْطَاهُمْ الْأَمْوَالَ، فَلَمَّا عُزِلَ دَخَلَ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ فَبَسَطَ النَّاسُ لَهُ أَرْدِيَتَهُمْ فَمَشَى عَلَيْهَا، وَقَالَ لِرَجُلٍ يُمَاشِيهِ: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ التَّيْمِيُّ خَوَّفَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ أَمْرٌ فَخَطَبَ خُطْبَةً أَوْجَزَ فِيهَا، فَنَادَى النَّاسُ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَسْجِدِ: أَكْثَرَ اللَّهُ فِينَا مِثْلَك. فَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفْتُمْ اللَّهَ شَطَطًا. وَمَعْبَدُ بْنُ زُرَارَةَ كَانَ ذَات يَوْمٍ جَالِسًا فِي طَرِيقٍ فَمَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا؟ فَقَالَ: يَا هَنَاهُ مِثْلِي يَكُونُ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ.
وَأَبُو شِمَالٍ الْأَسَدِيُّ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ فَالْتَمَسَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَجِدُوهَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنْ لَمْ يَرُدَّ إلَيَّ رَاحِلَتِي لَا صَلَّيْتُ لَهُ صَلَاةً أَبَدًا. فَالْتَمَسَهَا النَّاسُ فَوَجَدُوهَا، فَقَالُوا لَهُ: قَدْ رَدَّ اللَّهُ رَاحِلَتَك فَصَلِّ. فَقَالَ: إنَّ يَمِينِي يَمِينُ مُصِرٍّ. فَانْظُرْ إلَى هَؤُلَاءِ كَيْفَ أَفْضَيْ بِهِمْ الْعُجْبُ إلَى حُمْقٍ صَارُوا بِهِ نَكَالًا فِي الْأَوَّلِينَ، وَمَثَلًا فِي الْآخَرِينَ.
وَلَوْ تَصَوَّرَ الْمُعْجَبُ الْمُتَكَبِّرُ مَا فُطِرَ عَلَيْهِ مِنْ جِبِلَّةٍ، وَبُلِيَ بِهِ مِنْ مِهْنَةٍ، لَخَفَضَ جَنَاحَ نَفْسِهِ وَاسْتَبْدَلَ لِينًا مِنْ عُتُوِّهِ، وَسُكُوتًا مِنْ نُفُورِهِ. وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: عَجِبْتُ لِمَنْ جَرَى فِي مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ، وَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ الْإِنْسَانَ فَقَالَ:
يَا مُظْهِرَ الْكِبْرِ إعْجَابًا بِصُورَتِهِ ... اُنْظُرْ خَلَاكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْرِيبُ
لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهِمْ ... مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلَا شِيبُ
هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ مِثْلُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةً ... وَهُوَ بِخَمْسٍ مِنْ الْأَقْذَارِ مَضْرُوبُ
أَنْفٌ يَسِيلُ وَأُذْنٌ رِيحُهَا سَهِكٌ ... وَالْعَيْنُ مُرْفَضَّةٌ وَالثَّغْرُ مَلْعُوبُ
يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا ... أَقْصِرْ فَإِنَّك مَأْكُولٌ وَمَشْرُوبُ
وَأَحَقُّ مَنْ كَانَ لِلْكِبْرِ مُجَانِبًا، وَلِلْإِعْجَابِ مُبَايِنًا، مَنْ جَلَّ فِي الدُّنْيَا قَدْرُهُ، وَعَظُمَ فِيهَا خَطَرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِعَالِي هِمَّتِهِ كُلَّ كَثِيرٍ، وَيَسْتَصْغِرُ مَعَهَا كُلَّ كَبِيرٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: لَا يَنْبَغِي لِلشَّرِيفِ أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْ

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 238
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست