responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 221
وَلَيْسَ الْغِنَى إلَّا غِنًى زَيَّنَ الْفَتَى ... عَشِيَّةَ يُقْرِي أَوْ غَدَاةَ يُنِيلُ
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ مَا أَحْوَجَ مِنْ الْفَقْرِ مَكْرُوهٌ، وَمَا أَبْطَرَ مِنْ الْغِنَى مَذْمُومٌ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَفْضِيلِ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ مُقْتَدِرٌ وَالْفَقِيرَ عَاجِزٌ، وَالْقُدْرَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَجْزِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ النَّبَاهَةِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَفْضِيلِ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ تَارِكٌ وَالْغَنِيَّ مُلَابِسٌ، وَتَرْكُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنْ مُلَابَسَتِهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ السَّلَامَةِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَفْضِيلِ التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الْغِنَى؛ لِيَصِلَ إلَى فَضِيلَةِ الْأَمْرَيْنِ، وَيَسْلَمَ مِنْ مَذَمَّةِ الْحَالَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى تَفْضِيلَ الِاعْتِدَالِ، وَأَنَّ خِيَارَ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. وَقَدْ مَضَى شَوَاهِدُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ.
وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَطْلُبَ الزِّيَادَةَ وَيَقْتَنِيَ الْأَمْوَالَ؛ لِيَدَّخِرَهَا لِوَلَدِهِ، وَيَخْلُفُهَا عَلَى وَرَثَتِهِ، مَعَ شِدَّةِ ضَنِّهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَفِّهِ عَنْ صَرْفِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنْ كَدْحِ الطَّلَبِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، وَهَذَا شَقِيٌّ بِجَمْعِهَا، مَأْخُوذٌ بِوِزْرِهَا، قَدْ اسْتَحَقَّ اللَّوْمَ مِنْ وُجُوهٍ لَا تَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ.
مِنْهَا: سُوءُ ظَنِّهِ بِخَالِقِهِ أَنَّهُ لَا يَرْزُقُهُمْ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَقَدْ قِيلَ: قَتَلَ الْقُنُوطُ صَاحِبَهُ، وَفِي حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ رَاحَةُ الْقُلُوبِ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: كَيْفَ تَبْقَى عَلَى حَالَتِكَ وَالدَّهْرُ فِي إحَالَتِكَ.
وَمِنْهَا: الثِّقَةُ بِبَقَاءِ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ مَعَ نَوَائِبِ الزَّمَانِ وَمَصَائِبِهِ. وَقَدْ قِيلَ: الدَّهْرُ حَسُودٌ لَا يَأْتِي عَلَى شَيْءٍ إلَّا غَيَّرَهُ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْمَالُ مَلُولٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا إنْ بَقِيَتْ لَك لَا تَبْقَى لَهَا.
وَمِنْهَا: مَا حُرِمَ مِنْ مَنَافِعِ مَالِهِ، وَسُلِبَ مِنْ وُفُورِ حَالِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّمَا مَالُك لَك أَوْ لِلْوَارِثِ أَوْ لِلْجَائِحَةِ
فَلَا تَكُنْ أَشْقَى الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 221
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست