responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 211
مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ الْمَأْمُونِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَعَايِشُ النَّاسِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: زِرَاعَةٌ وَصِنَاعَةٌ وَتِجَارَةٌ وَإِمَارَةٌ. فَمَنْ خَرَجَ عَنْهَا كَانَ كَلًّا عَلَيْهَا. وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَتْ أَسْبَابُ الْمَوَادِّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَسَنَصِفُ حَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِقَوْلٍ مُوجَزٍ.

أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْ أَسْبَابِهَا وَهِيَ الزِّرَاعَةُ: فَهِيَ مَادَّةُ أَهْلِ الْحَضَرِ وَسُكَّانِ الْأَمْصَارِ وَالْمُدُنِ، وَالِاسْتِمْدَادُ بِهَا أَعَمُّ نَفْعًا، وَأَوْفَى فَرْعًا. وَلِذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْمَثَلَ فَقَالَ: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ الْمَالِ عَيْنٌ سَاهِرَةٌ لِعَيْنٍ نَائِمَةٍ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نِعْمَتْ لَكُمْ النَّخْلَةُ تَشْرَبُ مِنْ عَيْنٍ خَرَّارَةٍ وَتُغْرَسُ فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّخْلُ: هِيَ الرَّاسِخَاتُ فِي الْوَحْلِ الْمَطْعِمَاتُ فِي الْمَحَلِّ» .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: خَيْرُ الْمَالِ عَيْنٌ خَرَّارَةٌ فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ تَسْهَرُ إذَا نِمْتَ، وَتَشْهَدُ إذَا غِبْتَ، وَتَكُونُ عُقْبًا إذَا مِتَّ. وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْتَمِسُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ» . يَعْنِي الزَّرْعَ. وَحُكِيَ عَنْ الْمُعْتَضِدِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَنَامِ يُنَاوِلُنِي الْمِسْحَاةَ وَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّهَا مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ.
وَقَالَ كِسْرَى لِلْمُوبَدِ: مَا قِيمَةُ تَاجِي هَذَا؟ فَأَطْرَقَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: مَا أَعْرِفُ لَهُ قِيمَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ مَطْرَةٌ فِي نَيْسَانَ فَإِنَّهَا تُصْلِحُ مِنْ مَعَايِشِ الرَّعِيَّةِ مَا تَكُونُ قِيمَتُهُ مِثْلَ تَاجِ الْمَلِكِ. وَلَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ فَقَالَ لَهُ: اُدْلُلْنِي عَلَى مَا أُعَالِجُهُ. فَأَنْشَأَ ابْنُ شِهَابٍ يَقُولُ:
تَتَبَّعْ خَبَايَا الْأَرْضِ وَادْعُ مَلِيكَهَا ... لَعَلَّك يَوْمًا أَنْ تُجَابَ فَتُرْزَقَا
فَيُؤْتِيك مَالًا وَاسِعًا ذَا مَتَانَةٍ ... إذَا مَا مِيَاهُ الْأَرْضِ غَارَتْ تَدَفَّقَا

اسم الکتاب : أدب الدنيا والدين المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 211
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست