اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 83
الباب السابع في العقل وشرفه وحقيقته وأقسامه
بيان شرف العقل
اعلم أن هذا مما لا يحتاج إلى تكلف في إظهاره لا سيما وقد ظهر شرف العلم من قبل العقل والعقل منبع العلم ومطلعه وأساسه والعلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة والنور من الشمس والرؤية من العين فكيف لا يشرف ما هو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة أو كيف يستراب فيه والبهيمة مع قصور تمييزها تحتشم العقل حتى إن أعظم البهائم بدناً وأشدها ضراوة وأقواها سطوة إذا رأى صورة الإنسان احتشمه وهابه لشعوره باستيلائه عليه لما خص به من إدراك الحيل
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم الشيخ في قومه كالنبي في أمته [1] وليس ذلك لكثرة ماله ولا لكبر شخصه ولا لزيادة قوته بل لزيادة تجربته التي هي ثمرة عقله
ولذلك ترى الأتراك والأكراد وأجلاف العرب وسائر الخلق مع قرب منزلتهم من رتبة البهائم يوقرون المشايخ بالطبع
ولذلك حين قصد كثير من المعاندين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وقعت أعينهم عليه واكتحلوا بغرته الكريمة هابوه وتراءى لهم ما كان يتلألأ على ديباجة وجهه من نور النبوة وإن كان ذلك باطناً في نفسه بطون العقل فشرف العقل ما يدرك بالضرورة وإنما القصد أن نورد ما وردت به الأخبار والآيات في ذكر شرفه وقد سماه الله نوراً في قوله تعالى الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة وسمى العلم المستفاد منه روحاً ووحياً وحياة فقال تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} وقال سبحانه أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس وحيث ذكر النور والظلمة أراد به العلم والجهل كقوله {يخرجهم من الظلمات إلى النور} وقال صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس اعقلوا عن ربكم وتواصوا بالعقل تعرفوا ما أمرتم به وما نهيتم عنه واعلموا أنه ينجدكم عند ربكم واعلموا أن العاقل من أطاع الله وإن كان دميم المنظر حقير الخطر دنيء المنزلة رث الهيئة وأن الجاهل من عصى الله تعالى وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر شريف المنزلة حسن الهيئة فصيحاً نطوقاً فالقردة والخنازير أعقل عند الله تعالى ممن عصاه ولا تغتر بتعظيم أهل الدنيا إياهم فإنهم من الخاسرين (2)
وقال صلى الله عليه وسلم أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال الله عز وجل وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم على منك بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب (3)
فإن قلت فهذا العقل إن كان عرضاً فكيف خلق قبل الأجسام وإن كان جوهراً فكيف يكون جوهر قائم بنفسه ولا يتحيز فاعلم أن هذا من علم المكاشفة فلا يليق ذكره بعلم المعاملة وغرضنا الآن ذكر علوم المعاملة
وعن أنس رضي الله عنه قال أثنى قوم على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى بالغوا فقال صلى الله عليه وسلم كيف عقل الرجل فقالوا نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال صلى الله عليه وسلم إن الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور [1] حديث الشيخ في قومه كالنبي في أمته أخرجه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر وأبو منصور الديلمي من حديث أبي رافع بسند ضعيف
(2) حديث يا أيها الناس اعقلوا عن ربكم وتواصوا بالعقل الحديث أخرجه داود بن المجبر أحد الضعفاء في كتاب العقل من حديث أبي هريرة وهو في مسند الحارث بن أبي أسامة عن داود
(3) حديث أول ما خلق الله العقل قال له أقبل الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة وأبو نعيم من حديث عائشة بإسنادين ضعيفين
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 83