اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 57
يوشك أن يؤدي إلى الصواب في الآخرة حتى يتعظ بما يعظ به غيره
ويجري حب القبول والجاه مجرى الحب الذي ينثر حوالي الفخ ليقتنص به الطير وقد فعل الله ذلك بعباده إذ جعل الشهوة ليصل الخلق بها إلى بقاء النسل
وخلق أيضاً حب الجاه ليكون سبباً لإحياء العلوم وهذا متوقع في هذه العلوم فأما الخلافيات المحضة ومجادلات الكلام ومعرفة التفاريع الغريبة فلا يزيد التجرد لها مع الإعراض عن غيرها إلا قسوة القلب وغفلة عن الله تعالى وتمادياً في الضلال وطلباً للجاه إلا من تداركه الله تعالى برحمته أو مزج به غيره من العلوم الدينية
ولا برهان على هذا كالتجربة والمشاهدة فانظر واعتبر واستبصر لتشاهد تحقيق ذلك في العباد والبلاد والله المستعان
وقد رؤي سفيان الثوري رحمه الله حزيناً فقيل له ما لك فقال صرنا متجراً لأبناء الدنيا يلزمنا أحدهم حتى إذا تعلم جعل قاضياً أو عاملاً أو قهرماناً
الوظيفة الرابعة وهي من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيئة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص على الإصرار إذ قال صلى الله عليه وسلم وهو مرشد كل معلم لو منع الناس عن فت البعر لفتوه وقالوا ما نهينا عنه إلا وفيه شيء [1] وينبهك على هذا قصة آدم وحواء عليهما السلام وما نهيا عنه فما ذكرت القصة معك لتكون سمراً بل لتتنبه بها على سبيل العبرة ولأن التعريض أيضاً يميل النفوس الفاضلة والأذهان الذكية إلى استنباط معانيه فيفيد فرح التفطن لمعناه رغبة في العلم به ليعلم أن ذلك مما لا يعزب عن فطنته
الوظيفة الخامسة أن المتكفل ببعض العلوم ينبغي أن لا يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه
ومعلم الفقه عادته تقبيح علم الحديث والتفسير وأن ذلك نقل محض وسماع وهو شأن العجائز ولا نظر للعقل فيه ومعلم الكلام ينفر عن الفقه ويقول ذلك فروع وهو كلام في حيض النسوان فأين ذلك من الكلام في صفة الرحمن فهذه أخلاق مذمومة للمعلمين ينبغي أن تجتنب بل المتكفل بعلم واحد ينبغي أن يوسع على المتعلم طريق التعلم في غيره وإن كان متكفلاً بعلوم فينبغي أن يراعي التدريج في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة
الوظيفة السادسة أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقى إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله اقتداء في ذلك بسيد البشر صلى الله عليه وسلم حيث قال نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم [2] فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها وقال صلى الله عليه وسلم ما أحد يحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم وقال علي رضي الله عنه وأشار إلى صدره إن ههنا لعلوماً جمة لو وجدت لها حملة وصدق رضي الله عنه فقلوب الأبرار قبور الأسرار
فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلاً للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه وقال عيسى عليه السلام لا تعلقوا الجواهر في أعناق الخنازير فإن الحكمة خير من الجوهر ومن كرهها فهو شر من الخنازير ولذلك قيل كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار وسئل بعض العلماء عن شيء فلم يجب فقال السائل أما سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال من كتم علماً نافعاً جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار [3] فقال [1] حديث لو منع الناس عن فت البعر لفتوه الحديث لم أجده [2] حديث نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم الحديث رويناه في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث عمر أخصر منه وعند أبي داود من حديث عائشة أنزلوا الناس منازلهم [3] حديث من كتم علماً نافعاً جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بإسناد ضعيف وتقدم حديث أبي هريرة بنحوه
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 57