اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 303
عن غيره
فإن قدر عبد على أن يجعل همه مستغرقاً بالله عز وجل فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال
فإنه قطع الطمع عن مهجته وأهله وماله وولده بل من الدنيا كلها فإنه يريدها لحياته وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل وطلب مرضاته فلا تجرد لله أعظم من ذلك ولذلك عظم أمر الشهادة وورد فيه من الفضائل ما لا يحصى
فمن ذلك أنه لما استشهد عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجابر ألا أبشرك يا جابر قال بلى بشرك الله بالخير قال إن الله عز وجل أحيا أباك فأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر فقال تعالى تمن علي يا عبدي ما شئت أعطيكه فقال يا رب إن تردني إلى الدنيا حتى أقتل فيك وفي نبيك مرة أخرى فقال عز وجل سبق القضاء مني بأنهم إليها لا يرجعون [1] ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة فإنه لو لم يقتل وبقي مدة ربما عادت شهوات الدنيا إليه وغلبت على ما استولى على قلبه من ذكر الله عز وجل
ولهذا عظم خوف أهل المعرفة من الخاتمة فإن القلب وإن ألزم ذكر الله عز وجل فهو متقلب لا يخلو عن الالتفات إلى شهوات الدنيا ولا ينفك عن فترة تعتريه
فإذا تمثل في آخر الحال في قلبه أمر من الدنيا واستولى عليه وارتحل عن الدنيا والحالة هذه فيوشك أن يبقى استيلاؤه عليه فيحن بعد الموت إليه ويتمنى الرجوع إلى الدنيا
وذلك لقلة حظه في الآخرة إذ يموت المرء على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه
فاسلم الأحوال عن هذا الخطر خاتمة الشهادة إذ لم يكن قصد الشهيد نيل مال أو أن يقال شجاع أو غير ذلك [2] كما ورد به الخبر بل حب الله عز وجل وإعلاء كلمته فهذه الحالة هي التي عبر عنها {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بأن لهم الجنة} ومثل هذا الشخص هو البائع للدنيا بالآخرة
وحالة الشهيد توافق معنى قولك {لا إله إلا الله} فإنه لا مقصود له سوى الله عز وجل وكل مقصود معبود وكل معبود إله فهذا الشهيد قائل بلسان حاله {لا إله إلا الله} إذ لا مقصود له سواه
ومن يقول ذلك بلسانه ولم يساعده حاله فأمره في مشيئة الله عز وجل ولا يؤمن في حقه الخطر
ولذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا إله إلا الله على سائر الأذكار [3] وذكر ذلك مطلقاً في مواضع الترغيب ثم ذكر في بعض المواضع الترغيب
ثم ذكر في بعض المواضع الصدق والإخلاص فقال مرة من قال لا إله إلا الله مخلصاً ومعنى الإخلاص مساعدة الحال للمقال
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا في الخاتمة من أهل لا إله إلا الله حالاً ومقالاً ظاهراً وباطناً حتى نودع الدنيا غير متلفتين إليها بل متبرمين بها ومحبين للقاء الله فإن من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فهذه مرامز إلى معاني الذكر التي لا يمكن الزيادة عليها في علم المعاملة
الباب الثاني في آداب الدعاء وفضله وفضل بعض الأدعية المأثورة وفضيلة الاستغفار والصلاة عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَضِيلَةُ الدُّعَاءِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دعان فليستجيبوا لي} وقال تعالى [1] حديث ألا أبشرك يا جابر قال بلى بشرك الله بالخير قال إن الله أحيا أباك وأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر فقال تعالى تمن علي الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن وابن ماجه والحاكم وصحح إسناده من حديث جابر [2] حديث الرجل يقاتل لنيل مال أو أن يقال شجاع أو غير ذلك متفق عليه من حديث أبي موسى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله [3] حديث تفضيل لا إله إلا الله على سائر الأذكار أخرجه الترمذي وقال حسن والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه من حديث جابر
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 303