اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 279
إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بالقراءة فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون قراءته ويصلون بصلاته (1)
ومر صلى الله عليه وسلم بثلاثة من أصحابه رضي الله عنهم مختلفي الأحوال فمر على أبي بكر رضي الله عنه وهو يخافت فسأله عن ذلك فقال إن الذي أناجيه هو يسمعني ومر على عمر رضي الله عنه وهو يجهر فسأله عن ذلك فقال أوقط الوسنان وأزجر الشيطان ومر على بلال وهو يقرأ آياً من هذه السورة وآياً من هذه السورة فسأله عن ذلك فقال أخلط الطيب بالطيب فقال صلى الله عليه وسلم كلكم قد أحسن وأصاب (2)
فالوجه في الجمع بين هذه الأحاديث أن الإسرار أَبْعَدُ عَنِ الرِّيَاءِ وَالتَّصَنُّعِ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يَخَافُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَخْفَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجَهْرِ مَا يشوش الوقت على مصل آخر فالجهر أفضل لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته أيضاً تتعلق بغيره فالخير المتعدى أفضل من اللازم ولأنه يوقظ قلب القارىء ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف إليه سمعه ولأنه يطرد النوم في رفع الصوت ولأنه يزيد في نشاطه للقراءة ويقلل من كسله ولأنه يرجو بجهره تيقظ نائم فيكون هو سبب إحيائه ولأنه قد يراه بطال غافل فينشط بسبب نشاطه ويشتاق إلى الخدمة فَمَتَى حَضَرَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّيَّاتِ فَالْجَهْرُ أفضل
وإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر وبكثرة النيات تزكو أعمال الأبرار وتتضاعف أجورهم فإن كان في العمل الواحد عشر نيات كان فيه عشر أجور ولهذا نقول قراءة القرآن في المصاحف أفضل إذ يزيد في العمل النظر وتأمل المصحف وحمله فيزيد الأجر بسببه وقد قيل الختمة في المصحف بسبع لأن النظر في المصحف أيضاً عبادة
وخرق عثمان رضي الله عنه مصحفين لكثرة قراءته منهما فكان كثير من الصحابة يقرؤون في المصاحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف
ودخل بعض فقهاء مصر على الشافعي رضي الله عنه في السحر وبين يديه مصحف فقال له الشافعي شغلكم الفكر عن القرآن إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح
العاشر تحسين القراءة وترتيلها بترديد الصوت مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ مُفْرِطٍ يُغَيِّرُ النَّظْمَ فَذَلِكَ سنة قال صلى الله عليه وسلم زينوا القرآن بأصواتكم [3] وقال عليه السلام ما أذن الله لشيء إذنه لحسن الصوت بالقرآن [4] وقال صلى الله عليه وسلم لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَقِيلَ أراد بِهِ الِاسْتِغْنَاءُ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ التَّرَنُّمَ وَتَرْدِيدَ الْأَلْحَانِ بِهِ وَهُوَ أَقْرَبُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليلة ينتظر عائشة رضي الله عنها فأبطأت عليه فقال صلى الله عليه وسلم ما حبسك قالت يا رسول الله كنت أستمع قراءة رجل ما سمعت أحسن صوتاً منه فقام صلى الله عليه وسلم حتى استمع إليه طويلاً ثم رجع فقال صلى الله عليه وسلم هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله [5] واستمع صلى الله عليه وسلم أيضاً ذات ليلة إلى عبد الله بن مسعود ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فوقفوا طويلاً ثم قال
(1) حديث إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بقراءته فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون إلى قراءته ويصلون بصلاته رواه بنحوه بزيادة فيه أبو بكر البزار ونصر المقدسي في المواعظ وأبو شجاع من حديث معاذ بن جبل وهو حديث منكر منقطع
(2) حديث مروره صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وهو يخافت وبعمر وهو يجهر وببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة الحديث تقدم في الصلاة [3] حديث زينوا القرآن بأصواتكم أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه من حديث البراء بن عازب [4] حديث ما أذن الله لشيء إذنه لحسن الصوت بالقرآن متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن زاد مسلم لنبي حسن الصوت وفي رواية له كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن [5] حديث كان ينتظر عائشة فأبطأت عليه فقال ما حبسك قالت يا رسول الله كنت أسمع قراءة رجل ما سمعت أحسن صوتاً منه فقام صلى الله عليه وسلم حتى استمع إليه طويلاً ثم رجع فقال هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله أخرجه أبو داود من حديث عائشة ورجال إسناده ثقات
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 279