responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 26
إذ حكم الأولين والآخرين مودعة فيهما
وأما كونه عالماً بأسرار القلب وعلوم الآخرة فتعرفه من الحكم المأثورة عنه روي أنه سئل عن الرياء فقال على البديهة الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم
وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا أنت خفت على عملك العجب فانظر رضا من تطلب وفي أي ثواب ترغب ومن أي عقاب ترهب وأي عافية تشكر وأي بلاء تذكر فإنك إذا تفكرت في واحد من هذه الخصال صغر في عينك عملك فانظر كيف ذكر حقيقة الرياء وعلاج العجب وهما من كبار آفات القلب وقال الشافعي رضي الله عنه من لم يصن نفسه لم ينفعه علمه وقال رحمه الله من أطاع الله تعالى بالعلم نفعه سره
وقال ما من أحد إلا له محب ومبغض فإذا كان كذلك فكن مع أهل طاعة الله عز وجل وروي أن عبد القاهر بن عبد العزيز كان رجلاً صالحاً ورعاً وكان يسأل الشافعي رضي الله عنه عن مسائل في الورع والشافعي رحمه الله يقبل عليه لورعه وقال للشافعي يوماً أيما أفضل الصبر أو المحنة أو التمكين فقال الشافعي رحمه الله التمكين درجة الأنبياء ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة فإذا امتحن صبر وإذا صبر مكن ألا ترى إن الله عز وجل امتحن إبراهيم عليه السلام ثم مكنه وامتحن موسى عليه السلام ثم مكنه وامتحن أيوب عليه السلام ثم مكنه وامتحن سليمان عليه السلام ثم مكنه وآتاه ملكاً والتمكين أفضل الدرجات قال الله عز وجل {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض} وأيوب عليه السلام بعد المحنة العظيمة مكن قال الله تعالى وآتيناه أهله ومثلهم معهم الآية فهذا الكلام من الشافعي رحمه الله يدل على تبحره في أسرار القرآن واطلاعه على مقامات السائرين إلى الله تعالى من الأنبياء والأولياء وكل ذلك من علوم الآخرة
وقيل للشافعي رحمه الله متى يكون الرجل عالماً قال إذا تحقق في علم الدين فعلمه وتعرض لسائر العلوم فنظر فيما فاته فعند ذلك يكون عالماً فإنه قيل لجالينوس إنك تأمر للداء الواحد بالأدوية الكثيرة المجمعة فقال إنما المقصود منها واحد وإنما يجعل معه غيره لتسكن حدته لأن الإفراد قاتل فهذا وأمثاله مما لا يحصى يدل على علو رتبته في معرفة الله تعالى وعلوم الآخرة
وأما إرادته بالفقه والمناظرة فيه وجه الله تعالى فيدل عليه ما روي عنه قال وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب إلى شيء منه فانظر كيف اطلع على آفة العلم وطلب الاسم له وكيف كان منزه القلب عن الالتفات إليه مجرد النية فيه لوجه الله تعالى
وقال الشافعي رضي الله عنه ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطىء
وقال ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله تعالى وحفظ وما كلمت أحداً قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه وقال ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته واعتقدت محبته ولا كابرني أحد على الحق ودافع الحجة إلا سقط من عيني ورفضته فهذه العلامات هي التي تدل على إرادة الله تعالى بالفقه والمناظرة فانظر كيف تابعه الناس من جملة هذه الخصال الخمس على خصلة واحدة فقط ثم كيف خالفوه فيها أيضاً ولهذا قال أبو ثور رحمه الله ما رأيت ولا رأى الراءون مثل الشافعي رحمه الله تعالى
وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي رحمه الله تعالى فانظر إلى إنصاف الداعي وإلى درجة المدعو له وقس به الأقران والأمثال من العلماء في هذه الأعصار وما بينهم من المشاحنة والبغضاء لتعلم تقصيرهم في دعوى الاقتداء بهؤلاء ولكثرة دعائه له قال له ابنه أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء فقال أحمد يا بني كان الشافعي رحمه الله تعالى كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف وكان أحمد رحمه الله يقول ما مس أحد بيده محبرة إلا وللشافعي رحمه الله في عنقه منة
وقال يحيى بن سعيد القطان

اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 26
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست