اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 239
وما لم نعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وكرم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الحج والله المعين لا رب غيره وما توفيقي إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل كتاب أسرار الحج
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً وحصناً وجعل الْبَيْتَ الْعَتِيقَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَأَكْرَمَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا وَتَحْصِينًا وَمَنًّا وَجَعَلَ زِيَارَتَهُ وَالطَّوَافَ بِهِ حِجَابًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْعَذَابِ ومجنا والصلاة على محمد نبي الرحمة وسيد الأمة وعلى آله وصحبه قادة الحق وسادة الخلق وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فإن الحج مِنْ بَيْنِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ عِبَادَةُ الْعُمْرِ وختام الأمر وتمام الإسلام وكمال الدين فيه أنزل الله عز وجل {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} وفيه قال صلى الله عليه وسلم من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً [1] فأعظم بعبادة يعدم الدين بفقدها الكمال ويساوي تاركها اليهود والنصارى في الضلال وَأَجْدَرُ بِهَا أَنْ تُصْرَفَ الْعِنَايَةُ إِلَى شَرْحِهَا وتفصيل أركانها وسننها وآدابها وفضائلها وأسرارها
وجملة ذلك ينكشف بتوفيق الله عز وجل في ثلاثة أبواب
الباب الأول في فضائلها وفضائل مكة والبيت العتيق وجمل أركان وشرائط وجوبها
الباب الثاني في أعمالها الظاهرة على الترتيب من مبدأ السفر إلى الرجوع
الباب الثالث في آدابها الدقيقة وأسرارها الخفية وأعمالها الباطنة فلنبدأ بالباب الأول وفيه فصلان
الفصل الأول في فضائل الحج وفضيلة البيت ومكة والمدينة حرسهما الله تعالى وشد الرحال إلى المساجد
فضيلة الحج
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ من كل فج عميق} وقال قتادة لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وعلى كل عبد مصطفى أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ نَادَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَنَى بيتاً فحجوه وقال تعالى {ليشهدوا منافع لهم} قيل التجارة في الموسم والأجر في الآخرة
ولما سمع بعض السلف هذا قال غفر لهم ورب الكعبة وقيل في تفسير قوله عز وجل {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ليمنع الناس منها وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذنوبه كيوم ولدته أمه [2] وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم ما رؤي [1] حديث من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانيا أخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة والترمذي نحوه من حديث علي وقال غريب وفي إسناده مقال [2] حديث مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه أخرجاه من حديث أبي هريرة
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 239