اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 232
ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع [1] ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها داومي قرع باب الجنة قالت بماذا قال صلى الله عليه وسلم بالجوع [2] وسيأتي فضل الجوع في كتاب شره الطعام وعلاجه من ربع المهلكات فلما كان الصوم على الخصوص قمعاً للشيطان وسداً لمسالكه وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سُبْحَانَهُ وَنَاصِرُ اللَّهِ تَعَالَى مَوْقُوفٌ عَلَى النُّصْرَةِ له قال الله تَعَالَى {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل ولذلك قال تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وقال تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوباً عن لقائه
وقال صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات [3] فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ الصَّوْمُ بَابَ الْعِبَادَةِ وَصَارَ جُنَّةً وَإِذَا عَظُمَتْ فَضِيلَتُهُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِهِ الظَّاهِرَةِ والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة ونبين ذلك بثلاثة فصول الفصل الأول في الْوَاجِبَاتُ وَالسُّنَنُ الظَّاهِرَةُ وَاللَّوَازِمُ بِإِفْسَادِهِ
أَمَّا الْوَاجِبَاتُ الظَّاهِرَةُ فَسِتَّةٌ
الْأَوَّلُ مُرَاقَبَةُ أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنْ غَمَّ فَاسْتِكْمَالُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ
وَنَعْنِي بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمَ وَيَحْصُلُ ذلك بقول عَدْلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالَ إِلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ
وَمَنْ سَمِعَ عَدْلًا وَوَثَقَ بِقَوْلِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَزِمَهُ الصوم وإن لم يقض القاضي به فليتبع كل عبد في عبادته موجب ظنه وإذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها ولا يتعدى الوجوب
الثَّانِي النِّيَّةُ وَلَا بُدَّ لِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ نية مبيتة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه وهو الذي عنينا بقولنا كل ليلة ولو نوى بالنهار لم يجزه صوم رمضان ولا صوم الفرض إلا التطوع وهو الذي عنينا بقولنا مبيتة ولو نوى الصوم مطلقاً أو الفرض مطلقاً لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز وجل صوم رمضان ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غداً إن كان من رمضان لم يجزه فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل واحتمال غلط العدل أو كذبه لايبطل الجزم أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من رمضان فذلك لا يمنع جزم النية أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية
ومهما كان شاكاً ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها القلب
ولا يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال في وسط رمضان أصوم غداً إن كان من رمضان فإن ذلك لايضره لأنه ترديد لفظ ومحل النية لا يتصور فيه تردد بل هو قاطع بأنه من رمضان ومن نوى ليلاً ثم أكل لم تفسد نيته ولو نوت امرأة في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها
الثَّالِثُ الْإِمْسَاكُ عَنْ إِيصَالِ شَيْءٍ إِلَى الْجَوْفِ عَمْدًا مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالسُّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ
وَلَا يَفْسُدُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ [1] حديث إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم الحديث متفق عليه من حديث صفية دون قوله فضيقوا مجاريه بالجوع [2] حديث قال لعائشة داومي قرع باب الجنة الحديث لم أجد له أصلا [3] حديث لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 232