اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 229
انتهاك الستر أو إعانة المعطي على الإسرار أو صيانة العلم عن الابتذال فكل ذلك مما يحصل بانكشاف صدقة أخيه فإن كان انكشاف أمره أثقل عليه من انكشاف أمر غيره فتقديره الحذر من هذه المعاني أغاليظ وأباطيل من مكر الشيطان وخدعه فإن إذلال العلم محذور من حيث إنه علم لا من حيث إنه علم زيد أو علم عمرو
والغيبة محذورة من حيث إنها تعرض لعرض مصون لا من حيث إنها تعرض لعرض زيد على الخصوص ومن أحسن من ملاحظة مثل هذا ربما يعجز الشيطان عنه وإلا فلا يزال كثير العمل قليل الحظ
وأما جانب الإظهار فميل الطبع إليه من حيث إنه تطييب لقلب المعطي واستحثاث له على مثله وإظهاره عند غيره أنه من المبالغين في الشكر حتى يرغبوا في إكرامه وتفقده وهذا داء دفين في الباطن والشيطان لا يقدر على المتدين إلا بأن يروج عليه هذا الخبث في معرض السنة ويقول له الشكر من السنة والإخفاء من الرياء ويورد عليه المعاني التي ذكرناها ليحمله على الإظهار وقصده الباطن ما ذكرناه ومعيار ذلك ومحكه أن ينظر إلى ميل نفسه إلى الشكر حيث لا ينتهي الخبر إلى المعطي ولا إلى من يرغب في عطائه وبين يدي جماعة يكرهون إظهار العطية ويرغبون في إخفائها وعادتهم أنهم لا يعطون إلا من يخفي ولا يشكر
فإن استوت هذه الأحوال عنده فليعلم أن باعثه هو إقامة السنة في الشكر والتحدث بالنعمة وإلا فهو مغرور
ثم إذا علم أن باعثه السنة في الشكر فلا ينبغي أن يغفل عن قضاء حق المعطي فينظر فإن كان هو ممن يحب الشكر والنشر فينبغي أن يخفى ولا يشكر لأن قضاء حقه أن لا ينصره على الظلم وطلبه الشكر ظلم
وإذا علم من حاله أنه لا يحب الشكر ولايقصده فعند ذلك يشكره ويظهر صدقته ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي مدح بين يديه ضربتم عنقه لو سمعها ما أفلح [1] مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يثني على قوم في وجوههم لثقته بيقينهم وعلمه بأن ذلك لا يضرهم بل يزيد في رغبتهم في الخير فقال لواحد إنه سيد أهل الوبر [2] وقال صلى الله عليه وسلم في آخر إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه [3] وسمع كلام رجل فأعجبه فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مَنْ البيان لسحراً [4] وقال صلى الله عليه وسلم إذا علم أحدكم من أخيه خيراً فليخبره فإنه يزداد رغبة في الْخَيْرَ [5] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه [6] وقال الثوري من عرف نفسه لم يضره مدح الناس وقال أيضاً ليوسف بن أسباط إذا أوليتك معروفاً كنت أنا أسر به منك ورأيت ذلك نعمة من الله عز وجل علي فاشكر وإلا فلا تشكر
ورقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يراعي قلبه فإن أعمال الجوارح مع إهمال هذه الدقائق ضحكة للشيطان وشماته له لكثرة التعب وقلة النفع ومثل هذا العلم هو الذي يقال فيه إن تعلم مسألة واحدة منه أفضل من عبادة سنة إذ بهذا العلم تحيا عبادة العمل وبالجهل به تموت عبادة العمل كله وتتعطل وعلى الجملة فالأخذ في الملأ والرد في السر أحسن المسالك وأسلمها فلا ينبغي أن يدفع بالتزويقات إلا أن تكمل المعرفة [1] حديث قال للرجل الذي مدح بين يديه ضربتم عنقه لو سمعها ما أفلح متفق عليه من حديث أبي بكرة بلفظ ويحك قطعت عنق صاحبك زاد الطبراني في رواية والله لو سمعها ما أفلح أبدا وفي سنده علي بن زيد بن جدعان متكلم فيه وابن ماجه نحوه من حديث أبي موسى [2] حديث إنه سيد الوبر أخرجه العنبري والطبراني وابن قانع في معاجمهم وابن حبان في الثقات من حديث قيس بن عاصم المقري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك [3] حديث إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر ورواه أبو داود في المراسيل من حديث الشعبي مرسلا بسند صحيح وقال روى متصلا وهو ضعيف والحاكم نحوه من حديث معبد بن خالد الأنصاري عن أبيه وصحح إسناده [4] حديث إن من البيان لسحراً أخرجه البخاري من حديث ابن عمر [5] حديث إذا علم أحدكم من أخيه خيراً فليخبره فإنه يزداد رغبة في الخير أخرجه الدارقطني في العلل من رواية ابن المسيب عن أبي هريرة وقال لايصح عن الزهري وروي عن ابن المسيب مرسلا [6] حديث إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه أخرجه الطبراني من حديث أسامة بن زيد بسند ضعيف
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 229