اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 221
يُقَدَّمُونَ عَلَى الْمَعَارِفِ كَمَا يَتَقَدَّمُ الْأَقَارِبُ عَلَى الأجانب فليراع هذه الدقائق فهذه هي الصِّفَاتُ الْمَطْلُوبَةُ وَفِي كُلِّ صِفَةٍ دَرَجَاتٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ أَعْلَاهَا فَإِنْ وُجِدَ مَنْ جَمَعَ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَهِيَ الذَّخِيرَةُ الْكُبْرَى والغنيمة العظمى
ومهما اجتهد في ذلك وأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد فإن أحد أجريه في الحال تطهيره نفسه عن صفة البخل وتأكيد حب الله عز وجل في قلبه واجتهاده في طاعته وهذه الصفات هي التي تقوي في قلبه فتشوقه إلى لقاء الله عز وجل والأجر الثاني ما يعود إليه من فائدة دعوة الآخذ وهمته فإن قلوب الأبرار لها آثار في الحال والمآل فإن أصاب حصل الأجران وإن أخطأ حصل الأول دون الثاني فبهذا يضاعف أجر المصيب في الاجتهاد ههنا وفي سائر المواضع والله أعلم
الفصل الثالث في القابض وأسباب استحقاقه ووظائف قبضه
بيان أسباب الاستحقاق
اعلم أنه لا يستحق الزكاة إلا حر مسلم ليس بهاشمي ولا مطلبي اتَّصَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ في كتاب الله عز وجل
ولا تصرف زكاة إلى كافر ولا إلى عبد ولا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي
أما الصبي والمجنون فيجوز الصرف إليهما إذا قبض وليهما فلنذكر صفات الأصناف الثمانية
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ الْفُقَرَاءُ وَالْفَقِيرُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ له مال ولا قدرة له على الكسب فإن كان معه قوت يومه وكسوة حاله فليس بفقير ولكنه مسكين وإن كان معه نصف قوت يومه فهو فقير وإن كان معه قميص وليس معه منديل ولا خف ولا سراويل ولم تكن قيمة القميص بحيث تفي بجميع ذلك كما يليق بالفقراء فهو فقير لأنه في الحال قد عدم ما هو محتاج إليه وما هو عاجز عنه فلا ينبغي أن يشترط في الفقير أن لا يكون له كسوة سوى ساتر العورة فإن هذا غلو والغالب أنه لا يوجد مثله ولا يخرجه عن الفقر كونه معتاداً للسؤال فلا يجعل السؤال كسباً بخلاف ما لو قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنِ الفقر فإن قدر على الكسب بآلة فهو فقير ويجوز أن يشتري له آلة وإن قدر على كسب لا يليق بمروءة وبحال مثله فهو فقير وَإِنْ كَانَ مُتَفَقِّهًا وَيَمْنَعُهُ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ عَنِ التَّفَقُّهِ فَهُوَ فَقِيرٌ وَلَا تُعْتَبَرُ قُدْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا يَمْنَعُهُ الْكَسْبُ مِنْ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ وَأَوْرَادِ الْأَوْقَاتِ فَلْيَكْتَسِبْ لِأَنَّ الْكَسْبَ أَوْلَى مِنْ ذلك قال صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة بعد الفريضة [1] وأراد به السعي في الاكتساب وقال عمر رضي الله عنه كسب في شبهة خير من مسألة وإن كان مكتفياً بنفقة أبيه أو من تجب عليه نفقته فهذا أهون من الكسب فليس بفقير
الصِّنْفُ الثَّانِي الْمَسَاكِينُ وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي لَا يَفِي دَخْلُهُ بِخُرْجِهِ فَقَدْ يَمْلِكُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهُوَ مِسْكِينٌ وَقَدْ لَا يَمْلِكُ إِلَّا فَأْسًا وَحَبْلًا وَهُوَ غَنِيٌّ وَالدُّوَيْرَةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا وَالثَّوْبُ الَّذِي يَسْتُرُهُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ لَا يَسْلُبُهُ اسْمَ الْمِسْكِينِ وَكَذَا أَثَاثُ الْبَيْتِ أَعْنِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِهِ وَكَذَا كتب الفقه لا تخرجه عن المسكنة وإذا لم يملك إلا الكتب فلا تلزمه صدقة الفطر
وحكم الكتاب حكم الثوب وأثاث البيت فإنه محتاج إليه ولكن ينبغي أن يحتاط في قطع الحاجة بالكتاب فالكتاب محتاج إليه لثلاثة أغراض التعليم والاستفادة والتفرج بالمطالعة
أما حاجة التفرج فلا تعتبر كاقتناء كتب الأشعار وتواريخ الأخبار وأمثال ذلك مما لا ينفع في الآخرة ولا يجري في الدنيا إلا مجرى التفرج والاستئناس فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر وتمنع اسم المسكنة
وأما حاجة التعليم إن كان لأجل الكسب كالمؤدب والمعلم والمدرس بأجره فهذه آلته فلا تباع في الفطرة كأدوات الخياط وسائر المحترفين وإن كان يدرس للقيام بفرض [1] حديث طلب الحلال فريضة بعد الفريضة أخرجه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود بسند ضعيف
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 221