اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 164
وَفِي الْمَوَاضِعِ الْمَنْقُوشَةِ الْمَصْنُوعَةِ وَعَلَى الْفُرُشِ الْمَصْبُوغَةِ
ولذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته قدر السجود ليكون ذلك أجمع للهم
والأقوياء منهم كانوا يحضرون المساجد ويغضون البصر ولا يجاوزون به موضع السجود ويرون كمال الصلاة في أن لا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم
وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يدع في موضع الصلاة مصحفاً ولا سيفاً إلا نزعه ولا كتاباً إلا محاه
وَأَمَّا الْأَسْبَابُ الْبَاطِنَةُ فَهِيَ أَشَدُّ فَإِنَّ مَنْ تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا يَنْحَصِرْ فِكْرُهُ فِي فَنٍّ وَاحِدٍ بَلْ لَا يزال يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا يغنيه فإن ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل فَهَذَا طَرِيقُهُ أَنْ يَرُدَّ النَّفْسَ قَهْرًا إِلَى فَهْمِ مَا يَقْرَؤُهُ فِي الصَّلَاةِ وَيُشْغِلَهَا بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَيُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَسْتَعِدَّ له قبل التحريم بأن يحدد عَلَى نَفْسِهِ ذِكْرَ الْآخِرَةِ وَمَوْقِفَ الْمُنَاجَاةِ وَخَطَرَ الْمَقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْمُطَلِّعُ وَيُفْرِغَ قَلْبَهُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ بِالصَّلَاةِ عَمَّا يُهِمُّهُ فَلَا يَتْرُكُ لِنَفْسِهِ شُغْلًا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ خَاطِرُهُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان بن أبي شيبة إني نسيت أن أقول لك أن تخمر القدر الذي في البيت [1] فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل الناس عن صلاتهم فهذا طريق تسكين الأفكار
فإن كان لا يسكن هوائج أَفْكَارِهِ بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُسَكِّنِ فَلَا يُنْجِيهِ إِلَّا الْمُسَهِّلُ الَّذِي يَقْمَعُ مَادَّةَ الدَّاءِ مِنْ أَعْمَاقِ الْعُرُوقِ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْأُمُورِ الصَّارِفَةِ الشاغلة عَنْ إِحْضَارِ الْقَلْبِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَعُودُ إلى مهماته وأنها إنما صارت مهمات لشهواته فَيُعَاقِبُ نَفْسَهُ بِالنُّزُوعِ عَنْ تِلْكَ الشَّهَوَاتِ وَقَطْعِ تلك العلائق فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه فإمساكه أضر عليه من إخراجه فيتخلص منه بإخراجه كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَبِسَ الْخَمِيصَةَ الَّتِي أَتَاهُ بِهَا أبو جهم وَعَلَيْهَا عَلَمٌ وَصَلَّى بِهَا نَزَعَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أبي جهم فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عن صلاتي وائتوني بأنبجانية أبي جهم (2)
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد شراك نعله ثم نظر إليه في صلاته إذ كان جديداً فأمر أن ينزع منها ويرد الشراك الخلق (3)
وكان صلى الله عليه وسلم قد احتذى نعلاً فأعجبه حسنها فسجد وقال تواضعت لربي عز وجل كي لا يمقتني ثم خرج بها فدفعها إلى أول سائل لقيه ثم أمر علياً رضي الله عنه أن يشتري له نعلين سبتيتين جرداوين فلبسهما (4)
وكان صلى الله عليه وسلم في يده خاتم من ذهب قبل التحريم وكان على المنبر فرماه وقال شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم [5] وروي أن أبا طلحة صلى في حائط وفيه شجر فأعجبه دبسي طار في الشجر يلتمس مخرجاً فأتبعه بصره ساعة ثم لم يدركم صلى فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابه من الفتنة ثم قال يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت (6)
وعن رجل آخر أنه صلى في حائط له والنخل مطوقة بثمرها فنظر إليها فأعجبته ولم يدر كم صلى فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه وقال هو صدقة فاجعله في سبيل الله عز وجل [1] حديث إني نسيت أن أقول لك بخمر القربتين اللتين في البيت الحديث أخرجه أبو داود من حديث عثمان الحجبي وهو عثمان بن طلحة كما في مسند أحمد ووقع للمصنف أنه قال ذلك لعثمان بن أبي شيبة وهو وهم
(2) حديث نزع الخميصة وقال ائتوني بأنبجانية أبي جهم متفق عليه من حديث عائشة وقد تقدم في العلم
(3) حديث أمره بنزع الشراك الجديد ورد الشراك الخلق إذ نظر إليه في صلاته أخرجه ابن المبارك في الزهد من حديث أبي النضر مرسلا بإسناد صحيح
(4) حديث احتذى نعلاً فأعجبه حسنها فسجد وقال تواضعت لربي الحديث أخرجه أبو عبد الله ابن حقيق في شرف الفقراء من حديث عائشة بإسناد ضعيف [5] حديث رميه بالخاتم الذهب من يده وقال شغلني هذا نظرة إليه ونظرة إليكم أخرجه النسائي من حديث ابن عباس بإسناد صحيح وليس فيه بيان أن الخاتم كان ذهبا ولا فضة إنما هو مطلق
(6) حديث أن أبا طلحة صلى في حائط له فيه شجر فأعجبه ريش طائر في الشجر الحديث أخرجه في سهوه في الصلاة وتصدقه بالحائط مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة الأنصاري فذكره بنحوه
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 164