اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 143
مصالح الدنيا حتى انكشف له وهو أمي من هذا الأمر النازل قدره ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره فسبحان من أرسله رحمة للعالمين ليجمع لهم بيمن بعثته مصالح الدنيا والدين صلى الله عليه وسلم
الثامنة ما طال من اللحية وإنما أخرناها لنلحق بها ما في اللحية من السنن والبدع إذ هذا أقرب موضع يليق به ذكرها وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة وقالا تركها عافية أحب لقوله صلى الله عليه وسلم اعفوا اللحى وَالْأَمْرُ فِي هَذَا قَرِيبٌ إِنْ لَمْ يَنْتَهِ إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبذ إِلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِرَازِ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ النية
وقال النخعي عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته ويجعلها بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن ولذلك قيل كلما طالت اللحية تشمر العقل
فصل وَفِي اللِّحْيَةِ عَشْرُ خِصَالٍ مَكْرُوهَةٍ وَبَعْضُهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ بَعْضٍ خِضَابُهَا
بِالسَّوَادِ وَتَبْيِيضُهَا بِالْكِبْرِيتِ ونتفها ونتف الشيب منها والنقصان منها والزيادة وَتَسْرِيحُهَا تَصَنُّعًا لِأَجْلِ الرِّيَاءِ وَتَرْكُهَا شَعِثَةً إِظْهَارًا للزهد والنظر إلى سوادها عجباً بالشباب وَإِلَى بَيَاضِهَا تَكَبُّرًا بِعُلُوِّ السِّنِّ وَخِضَابُهَا بِالْحُمْرَةِ والصفرة من غير نية تشبهاً بالصالحين
أما الأول وهو الخضاب بالسواد فهو منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم خير شبابكم من تشبه بشيوخكم وشر شيوخكم من تشبه بشبابكم [1] والمراد بالتشبه بالشيوخ في الوقار لا في تبييض الشعر ونهى عن الخضاب بالسواد [2] وقال هو خضاب أهل النار [3] وفي لفظ آخر الخضاب بالسواد خضاب الكفار وتزوج رجل عَلَى عَهْدِ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يخضب بالسواد فنصل خضابه وظهرت شيبته فرفعه أهل المرأة إلى عمر رضي الله عنه فرد نكاحه وأوجعه ضرباً وقال غررت القوم بالشباب ولبست عليهم شيبتك ويقال أول من خضب بالسواد فرعون لعنه الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة (4)
الثاني الخضاب بالصفرة والحمرة وهو جائز تلبيساً للشيب على الكفار في الغزو والجهاد فإن لم يكن على هذه النية بل للتشبه بأهل الدين فهو مذموم وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب المؤمنين [5] وكانوا يخضبون بالحناء للحمرة وبالخلوق والكتم للصفرة وخضب بعض العلماء بالسواد لأجل الغزو وذلك لا بأس به إذا صحت النية ولم يكن فيه هوى وشهوة
الثالث تبييضها بالكبريت اسْتِعْجَالًا لِإِظْهَارِ عُلُوِّ السِّنِّ تَوَصُّلًا إِلَى التَّوْقِيرِ وقبول الشهادة والتصديق بالرواية عن الشيوخ وَتَرَفُّعًا عَنِ الشَّبَابِ وَإِظْهَارًا لِكَثْرَةِ الْعِلْمِ ظَنًّا بِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَيَّامِ تُعْطِيهِ فَضْلًا وَهَيْهَاتَ فَلَا يزيد كبر السن للجاهل إِلَّا جَهْلًا فَالْعِلْمُ ثَمَرَةُ الْعَقْلِ وَهِيَ غَرِيزَةٌ وَلَا يُؤَثِّرُ الشَّيْبُ فِيهَا وَمَنْ كَانَتْ غَرِيزَتُهُ الْحُمْقَ فَطُولُ الْمُدَّةِ يُؤَكِّدُ حَمَاقَتَهُ وَقَدْ كَانَ الشيوخ يقدمون الشباب [1] حديث خير شبابكم من تشبه بكهولكم الحديث أخرجه الطبراني من حديث وائلة بإسناد ضعيف [2] حديث نهى عن الخضاب بالسواد أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث عمرو بن العاص بإسناد منقطع ولمسلم من حديث جابر وغيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد قاله حين رأى بياض شعر أبي قحافة [3] حديث الخضاب بالسواد خضاب أهل النار وفي لفظ خضاب الكفار أخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر بلفظ {الكافر} قال ابن أبي حاتم منكر
(4) حديث يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس بإسناد جيد [5] حديث الصفرة خضاب المسلمين والحمرة خضاب المؤمنين أخرجه الطبراني والحاكم بلفظ الإفراد من حديث ابن عمر قال ابن أبي حاتم منكر
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 143