اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 139
لا يكون عذراً بل لا بد من الذكر فلا يخلو قلب عن التأثر من سماع الإنكار واستشعار الاحتراز عند التعبير بالمعاصي وذلك يؤثر في تقبيح الأمر في عينه وتنفير نفسه فلا يجوز تركه ولمثل هذا صار الحزم ترك دخول الحمام في هذه الأوقات إذ لا تخلو عن عورات مكشوفة لا سيما ما تحت السرة إلى ما فوق العانة إذ الناس لا يعدونها عورة وقد ألحقها الشرع بالعورة وجعلها كالحريم لها ولهذا يستحب تخلية الحمام
وقال بشر بن الحرث ما أعنف رجلاً لا يملك إلا درهماً دفعه ليخلي له الحمام
ورؤي ابن عمر رضي الله عنهما في الحمام ووجهه إلى الحائط وقد عصب عينيه بعصابة وقال بعضهم لا بأس بدخول الحمام ولكن بإزارين إزار للعورة وإزار للرأس يتقنع به ويحفظ عينيه وأما السنن فعشرة فالأول النِّيَّةُ وَهُوَ أَنْ لَا يَدْخُلَ لِعَاجِلِ دُنْيَا وَلَا عَابِثًا لِأَجْلِ هَوًى بَلْ يَقْصِدُ بِهِ التنظف المحبوب تزيناً للصلاة ثم يعطي الحمامي الأجرة قبل الدخول فإن ما يستوفيه مجهول وكذا ما ينتظره الحمامي فتسليم الأجرة قبل الدخول دفع للجهالة من أحد العوضين وتطييب لنفسه ثم يقدم رجله اليسرى عند الدخول ويقول بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ثم يدخل وقت الخلوة أو يتكلف تخلية الحمام فإنه إن لم يكن في الحمام إلا أهل الدين والمحتاطين للعورات فالنظر إلى الأبدان مكشوفة فيه شائبة من قلة الحياء وهو مذكر للنظر في العورات ثم لا يخلو الإنسان في الحركات عن انكشاف العورات بانعطاف في أطراف الإزار فيقع البصر على العورة من حيث لا يدري ولأجله عصب ابن عمر رضي الله عنهما عينيه ويغسل الجناحين عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا يُعَجِّلُ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ وَأَنْ لَا يُكْثِرَ صَبَّ الْمَاءِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَهُ الْحَمَّامِيُّ لَكَرِهَهُ لَا سِيَّمَا الْمَاءُ الحار فله مئونة وفيه تعب وأن يتذكر حر النار بحرارة الْحَمَّامِ وَيُقَدِّرَ نَفْسَهُ مَحْبُوسًا فِي الْبَيْتِ الْحَارِّ سَاعَةً وَيَقِيسُهُ إِلَى جَهَنَّمَ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ بَيْتٍ بِجَهَنَّمَ النَّارُ مِنْ تَحْتٍ وَالظَّلَامُ مِنْ فَوْقٍ نعوذ بالله من ذلك بل العاقل لا يغفل عن ذكر الآخرة في لحظة فإنها مصيره ومستقره فيكون له في كل ما يراه من ماء أو نار أو غيرهما عبرة وموعظة فإن المرء ينظر بحسب همته
فإذا دخل بزاز ونجار وبناء وحائك داراً معمورة مفروشة فإذا تفقدتهم رأيت البزاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها والحائك ينظر إلى الثياب يتأمل نسجها والنجار ينظر إلى السقف يتأمل كيفية تركيبها والبناء ينظر إلى الحيطان يتأمل كيفية إحكامها واستقامتها
فكذلك سالك طريق الآخرة لا يرى من الأشياء شيئاً إلا ويكون له موعظة وذكرى للآخرة بل لا ينظر إلى شيء إلا ويفتح الله عز وجل له طريق عبرة فإن نظر إلى سواد تذكر ظلمة اللحد وإن نظر إلى حية تذكر أفاعي جهنم وإن نظر إلى صورة قبيحة شنيعة تذكر منكراً ونكيراً والزبانية وإن سمع صوتاً هائلاً تذكر نفخة الصور وإن رأى شيئاً حسناً تذكر نعيم الجنة وإن سمع كلمة رد أو قبول في سوق أو دار تذكر ما ينكشف من آخر أمره بعد الحساب من الرد والقبول وما أجدر أن يكون هذا هو الغالب على قلب العاقل إلا لا يصرفه عنه إلا مهمات الدنيا فإذا نسب مدة المقام في الدنيا إلى مدة المقام في الآخرة استحقرها إن لم يكن ممن أغفل قلبه وأعميت بصيرته
ومن السنن أن لا يسلم عند الدخول وإن سلم عليه لم يجب بلفظ السلام بل يسكت إن أجاب غيره وإن أحب قال عافاك الله وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَافِحَ الدَّاخِلَ وَيَقُولَ عَافَاكَ الله لابتداء الكلام
ثم لا يكثر الكلام في الحمام ولا يقرأ القرآن إلا سراً ولا بأس بإظهار الاستعاذة من الشيطان ويكره دخول الحمام بين العشاءين وقريباً من الغروب فإن ذلك وقت انتشار الشياطين ولا بأس أن يدلكه غيره فقد نقل ذلك عن يوسف بن أسباط أوصى بأن يغسله إنسان لم يكن من أصحابه وقال إنه دلكني في الحمام مرة فأردت أن أكافئه بما يفرح به وإنه
اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 139