responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 221
{عَن الْجبَال فَقل ينسفها رَبِّي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا} فَهَذَا حَال الْجبَال وَهِي الْحِجَارَة الصلبة وَهَذِه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال رَبهَا وعظمته وَقد اخبر عَنْهَا فاطرها باريها انه لَو انْزِلْ عَلَيْهَا كَلَامه لخشعت ولتصدعت من خشيَة الله فِي عجبا من مُضْغَة لحم اقسى من هَذِه الْجبَال تسمع آيَات الله تتلى عَلَيْهَا وَيذكر الرب تبَارك وَتَعَالَى فَلَا تلين وَلَا تخشع وَلَا تنيب فَلَيْسَ بمستنكر على الله عز وَجل وَلَا يُخَالف حكمته ان يخلق لَهَا نَارا تذيبها إِذْ لم تلن بِكَلَامِهِ وَذكره وزواجره ومواعظه فَمن لم يلن لله فِي هَذِه الدَّار قلبه وَلم ينب اليه وَلم يذبه بحبه والبكاء من خَشيته فليتمتع قَلِيلا فان امامه الملين الاعظم وَسَيَرِدُ الى عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فَيرى وَيعلم
فصل وَلما اقْتَضَت حكمته تبَارك وَتَعَالَى ان جعل من الارض السهل والوعر
وَالْجِبَال والرمل لينْتَفع بِكُل ذَلِك فِي وَجهه وَيحصل مِنْهُ مَا خلق لَهُ وَكَانَت الارض بِهَذِهِ المثابة لزم من ذَلِك ان صَارَت كالأم الَّتِي تحمل فِي بَطنهَا انواع الاولاد من كل صنف ثمَّ تخرج الى النَّاس وَالْحَيَوَان من ذَلِك مَا اذن لَهَا فِيهِ رَبهَا ان تخرجه اما بعلمهم وَإِمَّا بِدُونِهِ ثمَّ يرد اليها مَا خرج مِنْهَا وَجعلهَا سُبْحَانَهُ كفاتا فلأحياء مَا داموا على ظهرهَا فَإِذا مَاتُوا استودعتهم فِي بَطنهَا فَكَانَت كفاتا لَهُم تضمهم على ظهرهَا احياء وَفِي بَطنهَا امواتا فَإِذا كَانَ يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم وَقد اثقلها الْحمل وحان وَقت الْولادَة ودنو الْمَخَاض اوحى اليها رَبهَا وفاطرها ان تضع حملهَا وَتخرج اثقالها فَتخرج النَّاس من بَطنهَا الى ظهرهَا وَتقول رب هَذَا مَا استودعتني وَتخرج كنوزها باذنه تَعَالَى ثمَّ تحدث اخبارها وَتشهد على بنيها بِمَا عمِلُوا على ظهرهَا من خير وَشر
فصل وَلما كَانَت الرِّيَاح تجول فِيهَا وَتدْخل فِي تجاويفها وتحدث فِيهَا
الابخرة وتخفق الرِّيَاح ويتعذر عَلَيْهَا المنفذ اذن الله سُبْحَانَهُ لَهَا فِي الاحيان بالتنفس فَتحدث فِيهَا الزلازال الْعِظَام فَيحدث من ذَلِك لِعِبَادِهِ الْخَوْف والخشية والانابة والاقلاع عَن مَعَاصيه والتضرعاليه والندم كَمَا قَالَ بعض السّلف وَقد زلزلت الارض ان ربكُم يستعتبكم وَقَالَ عمر بن الْخطاب وَقد زلزلت الْمَدِينَة فخطبهم ووعظهم وَقَالَ لَئِن عَادَتْ لَا اساكنكم فِيهَا
فصل ثمَّ تَأمل حِكْمَة الله عز وَجل فِي عزة هذَيْن النَّقْدَيْنِ الذَّهَب وَالْفِضَّة
وقصور خيرة الْعَالم عَمَّا حاولوا من صنعتهما والتشبه بِخلق الله اياهما مَعَ شدَّة حرصهم وبلوغ اقصى جهدهمْ واجتهادهم فِي ذَلِك فَلم يظفروا بسوى الصَّنْعَة وَلَو مكنوا ان يصنعوا مثل مَا خلق الله من ذَلِك لفسد امْر الْعَالم واستفاض الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي النَّاس حَتَّى صَار

اسم الکتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 221
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست