responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 207
كل اله بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فتعالى عَمَّا يشركُونَ فهذان برهانان يعجز الاولون والاخرون ان يقدحوا فيهمَا بقدح صَحِيح اَوْ ياتوا بِأَحْسَن مِنْهُمَا وَلَا يعْتَرض عَلَيْهِمَا إِلَّا من لم يفهم المُرَاد مِنْهُمَا وَلَوْلَا خشيَة الاطالة لذكرنا تقديرهما وَبَيَان مَا تضمناه من السِّرّ العجيب والبرهان الباهر وسنفرد إِن شَاءَ الله كتاب مُسْتقِلّا لادلة التَّوْحِيد
فصل فَتَأمل خلق السَّمَاء وارجع الْبَصَر فِيهَا كرة بعد كرة كَيفَ ترَاهَا من
اعظم الايات فِي علوها وارتفاعها وسعتها وقرارها بِحَيْثُ لَا تصعد علوا كالنار وَلَا تهبط نازلة كالاجسام الثَّقِيلَة وَلَا عمد تحتهَا وعلاقة فَوْقهَا بل هِيَ ممسوكة بقدرة الله الَّذِي يمسك السَّمَوَات والارض ان تَزُولَا ثمَّ تَأمل استواءها واعتدالها فَلَا صدع فِيهَا وَلَا فطر وَلَا شقّ وَلَا أمت وَلَا عوج ثمَّ تَأمل مَا وضعت عَلَيْهِ من هَذَا اللَّوْن الَّذِي هُوَ احسن الالوان واشدها مُوَافقَة لِلْبَصَرِ وتقوية لَهُ حَتَّى ان من اصابه شَيْء اضر ببصره يُؤمر بادمان النّظر الى الخضرة وَمَا قرب مِنْهَا الى السوَاد وَقَالَ الاطباء ان من كل بَصَره فَإِنَّهُ من دوائه ان يديم الِاطِّلَاع الى اجانة خضراء مملؤءة مَاء فَتَأمل كَيفَ جعل اديم السَّمَاء بِهَذَا اللَّوْن ليمسك الابصار المتقلبة فِيهِ وَلَا ينْكَأ فِيهَا بطول مباشرتها لَهُ هَذَا بعض فَوَائِد هَذَا اللَّوْن وَالْحكمَة فِيهِ اضعاف ذَلِك
فصل ثمَّ تَأمل حَال الشَّمْس وَالْقَمَر فِي طلوعهما وغروبهما لاقامة دَوْلَتِي
اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَوْلَا طلوعهما لبطل امْر الْعَالم وَكَيف كَانَ النَّاس يسعون فِي معائشهم ويتصرفون فِي امورهم وَالدُّنْيَا مظْلمَة عَلَيْهِم وَكَيف كَانُوا يتهنون بالعيش مَعَ فقد النُّور ثمَّ تَأمل الْحِكْمَة فِي غروبهما فَإِنَّهُ لَوْلَا غروبهما لم يكن للنَّاس هدوء وَلَا قَرَار مَعَ فرط الْحَاجة الى السبات وجموم الْحَواس وانبعاث القوى الْبَاطِنَة وَظُهُور سلطانها فِي النّوم الْمعِين على هضم الطَّعَام وتنفيذ الْغذَاء الى الاعضاء ثمَّ لَوْلَا الْغُرُوب لكَانَتْ الارض تَحْمِي بدوام شروق الشَّمْس واتصال طُلُوعهَا حَتَّى يَحْتَرِق كل مَا عَلَيْهَا من حَيَوَان ونبات فَصَارَت تطلع وقتا بِمَنْزِلَة السراج يرفع لاهل الْبَيْت ليقضوا حوائجهم ثمَّ تغيب عَنْهُم مثل ذَلِك ليقروا ويهدؤا وَصَارَ ضِيَاء النَّهَار مَعَ ظلام اللَّيْل وحر هَذَا مَعَ برد هَذَا مَعَ تضادهما متعاونين متظاهرين بهما تَمام مصَالح الْعَالم وَقد اشار تَعَالَى الى هَذَا الْمَعْنى وَنبهَ عباده عَلَيْهِ بقوله عز وَجل {قل أَرَأَيْتُم إِن جعل الله عَلَيْكُم اللَّيْل سرمدا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من إِلَه غير الله يأتيكم بضياء أَفلا تَسْمَعُونَ قل أَرَأَيْتُم إِن جعل الله عَلَيْكُم النَّهَار}

اسم الکتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 207
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست